وراسل برجوان بسيل ملك الروم على لسان أبي العلاء ، ودعاه إلى المهادنة والموادعة ، وحمل إليه هدايا سلك فيها سبيل التألّف والملاطفة ، فقابل بسيل ذلك منه بأحسن قبول ، وتقررت الموادعة عشر سنين ، وأنفذ بسيل في مقابلة الهدية ما جرت به عادة مثله.
وصلحت الحال مع العرب وأحسن إلى بني قرّة وألزمهم شرائط الطاعة وسيّر عسكرا إلى برقة وطرابلس الغرب فأخذها وعول في ولايتها على يانس الصقلبي ، وكان لفرط اشفاقه على الحاكم يمنعه من الركوب في غير وقت ركوبه والعطاء لغير (٣٨ و) مستحقة ، وفعل وذلك يفعله من باب السياسة والحفظ لنفسه وهيبته وماله ، وهو يسر ذلك في نفسه (١) أنه من الاساءة إليه والتضييق عليه ، وكان مع الحاكم خادم يعرف بزيدان الصقلبي (٢) وقد خص به وأنس إليه في شكوى ما يشكوه من برجوان إليه ، وإطلاعه على ما يسره في نفسه له ، وزاد زيدان في الحمل عليه والإغراء به ، وقال له فيما قال : إن برجوان يريد أن يجري نفسه مجرى كافور الاخشيدي ، ويجريك مجرى ولد الاخشيدي في الحجر عليك والأخذ على يدك ، والصواب أن تقتله وتدبر أمرك منفردا به ، فقال له الحاكم : إذا كان هذا رأيك والصواب عندك فأريد منك المساعدة عليه ، فبذلها له ، فلما كان في بعض أيام شهور سنة تسع وثمانين وثلاثمائة أشار زيدان على الحاكم بأن ينفذ إلى برجوان في وقت الظهر بعد انصرافه إلى داره وتفرّق الناس عنه ، للركوب إلى الصيد ، وأن يقف له في البستان الذي داخل القصر ، فإذا حضر أمر بقتله ، فأرسل إليه بالركوب ،
__________________
(١) أي الحاكم.
(٢) كانت وظيفة زيدان حمل المظلة ، وكانت وظيفة سامية لما للمظلة من مكانة خاصة لدى الخلفاء الفاطميين ، ذلك أنها كانت من رموز الامامة الخاصة نبعت فكرتها مما جاء في أخبار السيرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم كانت تظله غمامة ، وظهر أثر المظلة حتى في الأبنية الدينية ، وهذا ما شاهدت آثاره في جامع المهدية في تونس الذي بني أيام المهدي الفاطمي.