المفسدون خبره. والجملة خبر لأن ، وقد تقدم ذكر فائدة الفصل عند الكلام على قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). وتحقيق الاستدراك هنا في قوله : (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) ، هو أن الإخبار عنهم أنهم هم المفسدون يتضمن علم الله ذلك ، فكان المعنى أن الله قد علم أنهم هم المفسدون ، ولكن لا يعلمون ذلك ، فوقعت لكن إذ ذاك بين متنافيين ، وجهة الاستدراك أنهم لما نهوا عن إيجاد مثل ما كانوا يتعاطونه من الإفساد فقابلوا ذلك بأنهم مصلحون في ذلك ، وأخبر الله عنهم أنهم هم المفسدون ، كانوا حقيقين بأن يعلموا أن ذلك كما أخبر الله تعالى ، وأنهم لا يدعون أنهم مصلحون ، فاستدرك عليهم هذا المعنى الذي فاتهم من عدم الشعور بذلك. تقول : زيد جاهل ولكن لا يعلم ، وذلك أنه من حيث اتصف بالجهل وصار وصفا قائما بزيد ، كان ينبغي لزيد أن يكون عالما بهذا الوصف الذي قام به ، إذ الإنسان ينبغي أن يعلم ما اشتمل عليه من الأوصاف ، فاستدرك عليه بلكن ، لأنه مما كثر في القرآن ويغمض في بعض المواضع إدراكه. قالوا : ومفعول يشعرون محذوف لفهم المعنى تقديره أنهم مفسدون ، أو أنهم معذبون ، أو أنهم ينزل بهم الموت فتنقطع التوبة ، والأولى الأول ، ويحتمل أن لا ينوي محذوف فيكون قد نفى عنهم الشعور من غير ذكر متعلقه ولا نية ، وهو أبلغ في الذم ، جعلوا لدعواهم ما هو إفساد إصلاحا ممن انتفى عنه الشعور وكأنهم من البهائم ، لأن من كان متمكنا من إدراك شيء فأهمل الفكر والنظر حتى صار يحكم على الأشياء الفاسدة بأنها صالحة ، فقد انتظم في سلك من لا شعور له ولا إدراك ، أو من كابر وعاند فجعل الحق باطلا ، فهو كذلك أيضا. وفي قوله تعالى : (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) تسلية عن كونهم لا يدركون الحق ، إذ من كان من أهل الجهل فينبغي للعالم أن لا يكترث بمخالفته.
والكلام على قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) كالكلام على قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا) من حيث عطف هذه الجملة على سبيل الاستئناف ، أو عطفها على صلة من من قوله : من يقول ، أو عطفها على يكذبون ، ومن حيث العامل في إذا ، ومن حيث حكم الجملة بعد إذا ، ومن حيث المفعول الذي لم يسم فاعله. واختلف في القائل لهم آمنوا ، فقال ابن عباس : الصحابة ، ولم يعين أحدا منهم ، وقال مقاتل : قوم مخصوصون منهم وهم : سعد بن معاذ ، وأبو لبابة ، وأسيد بن الحضير. ولما نهاهم تعالى عن الإفساد أمرهم بالإيمان لأن الكمال يحصل بترك ما لا ينبغي وبفعل ما ينبغي ، وبدىء بالمنهي عنه لأنه الأهم ، ولأن المنهيات عنها هي من باب التروك ، والتروك أسهل في الامتثال من امتثال