الكاملون في الإنسانية ، أو عبر بالناس عن المؤمنين لأنهم هم الناس في الحقيقة ، ومن عداهم صورته صورة الناس ، وليس من الناس لعدم تمييزه ، كما قال الشاعر :
ليس من الناس ولكنه |
|
يحسبه الناس من الناس |
ويحتمل أن تكون الألف واللام للعهد ، ويعني به رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، قاله ابن عباس ، أو عبد الله بن سلام ، ونحوه ممن حسن إسلامه من اليهود ، قاله مقاتل ، أو معاذ بن جبل ، وسعد بن معاذ ، وأسيد بن الحضير ، وجماعة من وجوه الأنصار عدهم الكلبي. والأولى حملها على العهد ، وأن يراد به من سبق إيمانه قبل قول ذلك لهم ، فيكون حوالة على من سبق إيمانه لأنهم معلومون معهودون عند المخاطبين بالأمر بالإيمان. والتشبيه في : كما (آمَنَ النَّاسُ) إشارة إلى الإخلاص ، وإلا فهم ناطقون بكلمتي الشهادة غير معتقديها. أنؤمن : معمول لقالوا ، وهو استفهام معناه الإنكار أو الاستهزاء. ولما كان المأمور به مشبها كان جوابهم مشبها في قولهم : (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) ، والقول في الكاف وما في هذا كالقول فيهما في : (كَما آمَنَ النَّاسُ). والألف واللام في السفهاء للعهد ، فيعني به الصحابة ، قاله ابن عباس ؛ أو الصبيان والنساء ، قاله الحسن ، أو عبد الله بن سلام وأصحابه ، قاله مقاتل ، ويحتمل أن تكون للجنس فيندرج تحته من فسر به الناس من المعهودين ، أو الكاملون في السفه ، أو لأنهم انحصر السفه فيهم إذ لا سفيه غيرهم. وأبعد من ذهب إلى أن الألف واللام للصفة الغالبة نحو : العيوق والدبران ، لأنه لم يغلب هذا الوصف عليهم ، فصاروا إذا قيل : السفهاء ، فهم منه ناس مخصوصون ، كما يفهم من العيوق نجم مخصوص. ويحتمل قولهم : (كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) أن يكون ذلك من باب التعنت والتجلد حذرا من الشماتة ، وهم عالمون بأنهم ليسوا بسفهاء. ويحتمل أن يكون ذلك من باب الاعتقاد الجزم عندهم ، فيكونوا قد نسبوهم للسفه معتقدين أنهم سفهاء ، وذلك لما أخلوا به من النظر والفكر الصحيح المؤدّي إلى إدراك الحق ، وهم كانوا في رئاسة ويسار ، وكان المؤمنون إذ ذاك أكثرهم فقراء وكثير منهم موال ، فاعتقدوا أن من كان بهذه المثابة كان من السفهاء لأنهم اشتغلوا ما لا يجدي عندهم وكسلوا عن طلب الرئاسة والغنى وما به السؤدد في الدنيا ، وذلك هو غاية السفه عندهم. وفي قوله : (كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) إثبات منهم في دعواهم بسفه المؤمنين أنهم موصوفون بضد السفه ، وهو رزانة الأحلام ورجحان العقول ، فرد الله عليهم قولهم وأثبت أنهم هم السفهاء ، وصدر الجملة بألا التي للتنبيه لينادي عليهم المخاطبين بأنهم السفهاء ، وأكد ذلك بأن وبلفظ هم.