وربيعة ، وقد اختلف القولان منهم ، فقالوا للمؤمنين : آمنا ، ولشياطينهم إنا معكم. فانظر إلى تفاوت القولين ، فحين لقوا المؤمنين قالوا آمنا ، أخبروا بالمطلق ، كما تقدم ، من غير توكيد ، لأن مقصودهم الإخبار بحدوث ذلك ونشئه من قبلهم ، لا في ادعاء أنّهم أوحديون فيه ، أو لأنه لا تطوع بذلك ألسنتهم لأنه لا باعث لهم على الإيمان حقيقة ، أو لأنه لو أكدوه ما راج ذلك على المؤمنين فاكتفوا بمطلق الإيمان ، وذلك خلاف ما أخبر الله عن المؤمنين بقوله : ربنا إننا آمنا ، وحين لقوا شياطينهم ، أو خلوا إليهم قالوا : إنا معكم ، فأخبروا إنهم موافقوهم ، وأخرجوا الأخبار في جملة اسمية مؤكدة بأن ليدلوا بذلك على ثباتهم في دينهم ، ثم بينوا أن ما أخبروا به الذين آمنوا إنما كان على سبيل الاستهزاء ، فلم يكتفوا بالإخبار بالموافقة ، بل بينوا أن سبب مقالتهم للمؤمنين إنما هو الاستهزاء والاستخفاف ، لا أن ذلك صادر منهم عن صدق ، وجد ، وأبرزوا هذا في الإخبار في جملة اسمية مؤكدة بإنما مخبر عن المبتدأ فيها باسم الفاعل الذي يدل على الثبوت ، وأن الاستهزاء وصف ثابت لهم ، لا أن ذلك تجدد عندهم ، بل ذلك من خلقهم وعادتهم مع المؤمنين ، وكأن هذه الجملة وقعت جوابا لمنكر عليهم قولهم : إنا معكم ، كأنه قال : كيف تدعون أنكم معنا وأنتم مسالمون للمؤمنين ، تصدقونهم ، وتكثرون سوادهم ، وتستقبلون قبلتهم ، وتأكلون ذبائحهم؟ فأجابوهم بقولهم : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) ، أي مستخفون بهم ، نصانع بما نظهر من ذلك عن دمائنا وأموالنا وذرياتنا ، فنحن نوافقهم ظاهرا ونوافقكم باطنا ، والقائل إنا معكم ، أما المنافقون لكبارهم ، وأما كل المنافقين للكافرين ، وقرىء : مستهزءون ، بتحقيق الهمزة ، وهو الأصل ، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها ، ومنهم من يحذف الياء تشبيها بالياء الأصلية في نحو : يرمون ، فيضم الراء. ومذهب سيبويه ، رحمهالله ، في تحقيقها : أن تجعل بين بين. ومذهب أبي الحسن : أن تقلب ياء قلبا صحيحا. قال أبو الفتح : حال الياء المضمومة منكر ، كحال الهمزة المضمومة. والعرب تعاف ياء مضمومة قبلها كسرة ، وأكثر القراء على ما ذهب إلى سيبويه ، انتهى.
وهل الاجتماع والمعية في الدين ، أو في النصرة والمعونة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، أو في اتفاقهم مع الكفار على اطلاعهم على أحوال المؤمنين وإعلامهم بما أجمعوا عليه من الأمر وأخفوه من المكايد ، أو في اتفاقهم مع الكفار على أذى المسلمين وتربصهم بهم الدوائر وفرحهم بما يسوء المسلمين وحزنهم بما يسرهم وقصدهم إخماد كلمة الله؟ أقوال أربعة ، والدواعي إلى الاستهزاء : خوف الأذى ، واستجلاب النفع ،