الإيمان المقيد في قولهم : (آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، وليسوا بصادقين في ذلك ، ويحتمل أن يريدوا بذلك ما أظهروه بألسنتهم من الإيمان ، ومن اعترافهم حين اللقاء ، وسموا ذلك إيمانا ، وقلوبهم عن ذلك صارفة معرضة.
وقرأ الجمهور : خلوا إلى بسكون الواو وتحقيق الهمزة ، وقرأ ورش : بإلقاء حركة الهمزة على الواو وحذف الهمزة ، ويتعدى خلا بالباء وبإلى ، والباء أكثر استعمالا ، وعدل إلى إلى لأنها إذا عديت بالباء احتملت معنيين : أحدهما : الانفراد ، والثاني : السخرية ، إذ يقال في اللغة : خلوت به ، أي سخرت منه ، وإلى لا يحتمل إلا معنى واحدا ، وإلى هنا على معناها من انتهاء الغاية على معنى تضمين الفعل ، أي صرفوا خلاهم إلى شياطينهم ، قال الأخفش : خلوت إليه ، جعلته غاية حاجتي ، وهذا شرح معنى ، وزعم قوم ، منهم النضر بن شميل : إن إلى هنا بمعنى مع أي : وإذا خلوا مع شياطينهم ، كما زعموا ذلك في قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) (١) ، و (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) (٢) ، أي مع أموالكم ومع الله ، ومنه قول النابغة :
فلا تتركني بالوعيد كأنني |
|
إلى الناس مطلي به القار أجرب |
ولا حجة في شيء من ذلك. وقيل : إلى بمعنى الباء ، لأن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض ، وهذا ضعيف ، إذ نيابة الحرف عن الحرف لا يقول بها سيبويه ، والخليل ، وتقرير هذا في النحو. وشياطينهم : هم اليهود الذين كانوا يأمرونهم بالتكذيب ، قاله ابن عباس ؛ أو رؤساؤهم في الكفر ، قاله ابن مسعود. وروي أيضا عن ابن عباس : أو شياطين الجن ، قاله الكلبي : أو كهنتهم ، قاله الضحاك وجماعة. وكان في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الكهنة جماعة منهم : كعب بن الأشرف من بني قريظة ، وأبو بردة في بني أسلم ، وعبد الدار في جهينة ، وعوف بن عامر في بني أسد ، وابن السوداء في الشام ، وكانت العرب يعتقدون فيهم الاطلاع على علم الغيب ، ويعرفون الأسرار ، ويداوون المرضى ، وسموا شياطين لتمردهم وعتوّهم ، أو باسم قرنائهم من الشياطين ، إن فسروا بالكهنة ، أو لشبههم بالشياطين في وسوستهم ، وغرورهم ، وتحسينهم للفواحش ، وتقبيحهم للحسن.
والجمهور على تحريك العين من معكم ، وقرىء في الشاذ : إنا معكم ، وهي لغة غنم
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٢.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٥٢ ، وسورة الصف : ٦١ / ١٤.