وبالعكس ، لتكون الموعظة جامعة بين الوعيد والوعد واللطف والعنف ، لأن من الناس من لا يجذبه التخويف ويجذبه اللطف ، ومنهم من هو بالعكس. والمأمور بالتبشير قيل : النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : كل من يصلح للبشارة من غير تعيين. قال الزمخشري : وهذا أحسن وأجزل لأنه يؤذن بأن الأمر لعظمه وفخامة شأنه محقوق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به ، انتهى كلامه. والوجه الأول عندي أولى ، لأن أمره صلىاللهعليهوسلم لخصوصيته بالبشارة أفخم وأجزل ، وكأنه ما اتكل على أن يبشر المؤمنين كل سامع ، بل نص على أعظمهم وأصدقهم ليكون ذلك أوثق عندهم وأقطع في الإخبار بهذه البشارة العظيمة ، إذ تبشيره صلىاللهعليهوسلم تبشير من الله تعالى. والجملة من قوله : وبشر معطوفة على ما قبلها ، وليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب مشاكل من أمر أو نهي يعطف عليه ، إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين ، فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين ، كما تقول : زيد يعاقب بالقيد والإزهاق ، وبشر عمرا بالعفو والإطلاق ، قال هذا الزمخشري وتبعه أبو البقاء فقال : الواو في وبشر عطف بها جملة ثواب المؤمنين على جملة عقاب الكافرين ، انتهى كلامه.
وتلخص من هذا أن عطف الجمل بعضها على بعض ليس من شرطه أن نتفق معاني الجمل ، فعلى هذا يجوز عطف الجملة الخبرية على الجملة غير الخبرية ، وهذه المسألة فيها اختلاف. ذهب جماعة من النحويين إلى اشتراط اتفاق المعاني ، والصحيح أن ذلك ليس بشرط ، وهو مذهب سيبويه. فعلى مذهب سيبويه يتمشى إعراب الزمخشري وأبي البقاء. وأجاز الزمخشري وأبو البقاء أن يكون قوله : وبشر معطوفا على قوله : فاتقوا النار ، ليكون عطف أمر على أمر. قال الزمخشري : كما تقول يا بني تميم احذروا عقوبة ما جنيتم ، وبشر يا فلان بني أسد بإحسان إليهم ، وهذا الذي ذهبا إليه خطأ لأن قوله : فاتقوا جواب للشرط وموضعه جزم ، والمعطوف على الجواب جواب ، ولا يمكن في قوله : وبشر أن يكون جوابا لأنه أمر بالبشارة ومطلقا ، لا على تقدير إن لم تفعلوا ، بل أمر أن يبشر الذين آمنوا أمرا ليس مترتبا على شيء قبله ، وليس قوله : وبشر على إعرابه مثل ما مثل به من قوله : يا بني تميم إلخ ، لأن قوله : احذروا لا موضع له من الإعراب ، بخلاف قوله : فاتقوا. فلذلك أمكن فيما مثل به العطف ولم يمكن في وبشر. وقرأ زيد بن علي : وبشر فعلا ماضيا مبنيا للمفعول. قال الزمخشري : عطفا على أعدت انتهى. وهذا الإعراب لا يتأتى على قول من جعل أعدت جملة في موضع الحال ، لأن المعطوف على الحال حال ، ولا يتأتى