أن يكون وبشر في موضع الحال ، فالأصح أن تكون جملة معطوفة على ما قبلها ، وإن لم تتفق معاني الجمل ، كما ذهب إليه سيبويه وهو الصحيح ، وقد استدل لذلك بقول الشاعر :
تناغى غزالا عند باب ابن عامر |
|
وكحل مآقيك الحسان بإثمد |
وبقول امرئ القيس :
وإن شفائي عبرة إن سفحتها |
|
وهل عند رسم دارس من معوّل |
وأجاز سيبويه : جاءني زيد ، ومن أخوك العاقلان ، على أن يكون العاقلان خبر ابتداء مضر. وقد تقدم لنا أن الزمخشري يخص البشارة بالخبر الذي يظهر سرور المخبر به. وقال ابن عطية : الأغلب استعماله في الخير ، وقد يستعمل في الشر مقيدا به منصوصا على الشر للمبشر به ، كما قال تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (١). ومتى أطلق لفظ البشارة فإنما يحمل على الخير ، انتهى كلامه. وتقدم لنا ما يخالف قوليهما من قول سيبويه وغيره ، وأن البشارة أول خبر يرد على الإنسان من خير كان أو شر ، قالوا : وسمي بذلك لتأثيره في البشرة ، فإن كان خيرا أثر المسرة والانبساط ، وإن كان شرا أثر القبض والانكماش. قال تعالى : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ) (٢) ، وقال تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، وجعل الزمخشري هذا العكس في الكلام الذي يقصد به استهزاء الزائد في غيظه المستهزأ به وتألمه. وقيل : معناه ضع هذا موضع البشارة منهم ، قالوا : والصحيح أن كل خبر غير البشرة خيرا كان أو شرا بشارة ، قال الشاعر :
يبشرني الغراب ببين أهل |
|
فقلت له ثكلتك من بشير |
وقال آخر :
وبشرتني يا سعد أن أحبتي |
|
جفوني وأن الود موعده الحشر |
والتضعيف في بشر من التضعيف الدال على التكثير فيما قال بعضهم ، ولا يتأتى التكثير في بشر إلا بالنسبة إلى المفاعيل ، لأن البشارة أول خبر يسر أو يحزن على المختار ، ولا يتأتى التكثير فيه بالنسبة إلى المفعول الواحد ، فبالنسبة إليه يكون فعل فيه مغنيا عن فعل ، لأن الذي ينطق به مشددا غير العرب الذين ينطقون به مخففا ، كما بينا قبل. وكون مفعول بشر موصولا بجملة فعلية ماضية ولم يكن اسم فاعل ، دلالة على أن مستحق التبشير
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٢١.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٢١.