بعض الناس قوله تعالى : (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (١) أي أبوابها. وأما البصريون فيتأولون هذا على غير هذا الوجه ويجعلون الضمير محذوفا ، أي الأبواب منها ، ولو كانت الألف واللام عوضا من الإضافة لما أتى بالضمير مع الألف واللام ، وقال الشاعر :
قطوب رحيب الجيب منها رقيقة |
|
بجس الندامى بضة المتجرد |
ويجوز أن تكون الألف واللام للعهد الثابت في الذهن من الأنهار الأربعة المذكورة في سورة القتال. وجاء هذا الجمع بصيغة جمع القلة إشارة إلى الأنهار الأربعة ، إن قلنا : إن الألف واللام فيها للعهد ، أو إشارة إلى أنهار الماء ، وهي أربعة أو خمسة ، في الصحيح. إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكر الجنة فقال : «نهران باطنان : الفرات والنيل ، ونهران ظاهران : سيحان وجيحان». وفي رواية سيحون وجيحون ، وعن أنس قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ماء الكوثر قال : «ذاك نهر أعطانيه الله تعالى ، يعني في الجنة ، ماؤه أشدّ بياضا من اللبن وأحلى من العسل» الحديث. وإن كانت أنهارا كثيرة فيكون ذلك من إجراء جمع القلة مجرى جمع الكثرة ، كما جاء العكس على جهة التوسع والمجاز لاشتراكهما في الجمعية.
(كُلَّما رُزِقُوا) ، تقدّم الكلام على كلما عند قوله تعالى : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ) ، وبينا كيفية التكرار فيها على خلاف ما يفهم أكثر الناس ، والأحسن في هذه الجملة أن تكون مستأنفة لا موضع لها من الإعراب ، وأنه لما ذكر أن من آمن وعمل الصالحات لهم جنات صفتها كذا ، هجس في النفوس حيث ذكرت الجنة الحديث عن ثمار الجنات ، وتشوقت إلى ذكر كيفية أحوالها ، فقيل لهم : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً) ، وأجيز أن تكون الجملة لها موضع من الإعراب : نصب على تقدير كونها صفة للجنات ، ورفع : على تقدير خبر مبتدأ محذوف. ويحتمل هذا وجهين : إما أن يكون المبتدأ ضميرا عائدا على الجنات ، أي هي (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها) ، أو عائدا على (الَّذِينَ آمَنُوا) ، أي هم كلما رزقوا ، والأولى الوجه الأول لاستقلال الجملة فيه لأنها في الوجهين السابقين تتقدّر بالمفرد ، فهي مفتقرة إلى الموصوف ، أو إلى المبتدأ المحذوف. وأجاز أبو البقاء أن تكون حالا من الذين آمنوا تقديره مرزوقين على الدوام ، ولا يتم له ذلك إلا على تقدير أن يكون الحال مقدرة ، لأنهم وقت التبشير لم يكونوا مرزوقين على الدوام. وأجاز أيضا أن تكون حالا من جنات لأنها نكرة قد وصفت بقوله : تجري ، فقربت من المعرفة ، وتؤول أيضا إلى الحال المقدرة. والأصل في الحال أن تكون مصاحبة ، فلذلك اخترنا في إعراب هذه الجملة غير ما ذكره أبو
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ٥٠.