لا يترك ، فعبر بالحياء عن الترك ، قاله الزمخشري وغيره ، لأن الترك من ثمرات الحياء ، لأن الإنسان إذا استحيا من فعل شيء تركه ، فيكون من باب تسمية المسبب باسم السبب. وقيل : المعنى لا يخشى ، وسميت الخشية حياء لأنها من ثمراته ، ورجحه الطبري. وقد قيل في قوله تعالى : (وَتَخْشَى النَّاسَ) (١) ، أن معناه تستحيي من الناس. وقيل : المعنى لا يمتنع. وكل هذه الأقوال متقاربة من حيث المعنى ، يجوز أن يوصف الله تعالى بها ، وهذه التأويلات هي على مذهب من يرى التأويل في الأشياء التي موضوعها في اللغة لا ينبغي أن يوصف الله تعالى به ، وقيل : ينبغي أن تمر على ما جاءت ، ونؤمن بها ولا نتأولها ونكل علمها إليه تعالى ، لأن صفاته تعالى لا يطلع على ماهيتها الخلق. والذي عليه أكثر أهل العلم أن الله تعالى خاطبنا بلسان العرب ، وفيه الحقيقة والمجاز ، فما صح في العقل نسبته إليه نسبناه إليه ، وما استحال أوّلناه بما يليق به تعالى ، كما نؤول فيما ينسب إلى غيره مما لا يصح نسبته إليه ، والحياء بموضوع اللغة لا يصح نسبته إلى الله تعالى ، فلذلك أوله أهل العلم ، وقد جاء منسوبا إلى الله مثبتا فيما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع إليه العبد يديه أن بردهما صفرا حتى يضع فيهما خيرا» ، وأول بأن هذا جار على سبيل التمثيل مثل تركه تخييب العبد من عطائه لكرمه بترك من ترك رد المحتاج إليه حياء منه ، وقد يجوز أيضا في الاستحياء ، فنسب إلى ما لا يصح منه بحال ، كالبيت الذي أنشدناه قبل وهو :
إذا ما استحين الماء يعرض نفسه
قال أبو التمام :
هو الليث ليث الغاب بأسا ونجدة |
|
وإن كان أحيا منه وجها وأكرما |
ويجوز أن يكون قوله تعالى : (لا يَسْتَحْيِي) على سبيل المقابلة ، لأنه روي أن الكفار قالوا : ما يستحيي رب محمد أن يضرب الأمثال بالذباب والعنكبوت ومجيء الشيء على سبيل المقابلة ، وإن لم يكن من جنس ما قوبل به ، شائع في لسان العرب ، ومنه : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٢) ، وجاء ذكر الاستحياء منفيا عن الله تعالى ، وإن كان إثباته بموضوع اللغة لا يصح نسبته إلى الله تعالى ، فكل أمر مستحيل على الله تعالى إثباته ، يصح أن ينفى
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٧.
(٢) سورة الشورى : ٤٢ / ٤٠.