عن الله تعالى ، وبذلك نزل القرآن وجاءت السنة. ألا ترى إلى قوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (١) ، (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (٢) (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) (٣) ، (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) (٤)؟ ونقول : الله تعالى ليس بجسم. فالإخبار بانتفاء هذه الأشياء هو الصدق المحض ، وليس انتفاء الشيء مما يدل على تجويزه على من نفي عنه ، ولا صحة نسبته إليه ، كما ذهب إليه أبو بكر بن الطيب وغيره. زعم أن ما لا يجوز على الله إثباتا يجب أن لا يطلق على طريق النفي ، قال : فيما ورد من ذلك هو بصورة النفي وليس بنفي على الحقيقة ، وكثرة ذلك ، أعني نفي الشيء عما لا يصح إثباته ، له كثير في القرآن ولسان العرب ، بحيث لا يحصر ما ورد من ذلك. ويضرب : قيل معناه : يبين ، وقيل : يذكر ، وقيل : يضع ، من ضربت عليهم الذلة ، وضرب البعث على بني فلان ، ويكون يضرب قد تعدى إلى واحد ، وقيل يضرب : في معنى يجعل ويصير ، كما تقول : ضربت الطين لبنا ، وضربت الفضة خاتما. فعلى هذا يتعدى لاثنين ، والأصح أن ضرب لا يكون من باب ظن وأخواتها ، فيتعدى إلى اثنين ، وبطلان هذا المذهب مذكور في كتب النحو. وما : إذا نصبت بعوضة زائدة للتأكيد أو صفة للمثل تزيد الكرة شياعا ، كما تقول : ائتني برجل ما ، أي : أيّ رجل كان. وأجاز الفراء ، وثعلب ، والزجاج : أن تكون ما نكرة ، وينتصب بدلا من قوله : مثلا. وقرأ الجمهور : بنصب بعوضة. واختلف في توجيه النصب على وجوه :
أحدها : أن تكون صفة لما ، إذا جعلنا ما بدلا من مثل ، ومثلا مفعول بيضرب ، وتكون ما إذ ذاك قد وصفت باسم الجنس المتنكر لإبهام ما ، وهو قول الفراء. الثاني : أن تكون بعوضة عطف بيان ، ومثلا مفعول بيضرب. الثالث : أن تكون بدلا من مثل. الرابع : أن يكون مفعولا ليضرب ، وانتصب مثلا حالا من النكرة مقدمة عليها. والخامس : أن تكون مفعولا ليضرب ثانيا ، والأول هو المثل على أن يضرب يتعدى إلى اثنين. والسادس : أن تكون مفعولا أول ليضرب ، ومثلا المفعول الثاني. والسابع : أن تكون منصوبا على تقدير إسقاط الجار ، والمعنى (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) ما بين (بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) ، وحكوا له عشرون ما ناقة فجملا ، ونسبه ابن عطية لبعض الكوفيين ، ونسبه المهدوي للكوفيين ، ونسبه غيرهما للكسائي والفراء ، ويكون : مثلا مفعولا بيضرب على هذا الوجه ، وأنكر هذا النصب ، أعني نصب بعوضة على هذا الوجه ، أبو العباس. وتحرير نقل هذا المذهب : أن الكوفيين
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٥٥.
(٢) سورة الإخلاص : ١١٢ / ٣.
(٣) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٩١.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ١٤.