يزعمون أن ما تكون جزاء في الأصل وتحول إلى لفظ الذي ، فينتصب ما بعدها ، سواء كان نكرة أم غير نكرة ، ويعطف عليه بالفاء فقط ، وتلزم ولا يصلح مكانها الواو ، ولا ثم ، ولا أو ، ولا لا ، ويجعلون النصب في ذلك الاسم على حذف مضاف ، وهو بين. فلما حذف بين ، قام هذا مقامه في الإعراب. ويقدرون الفاء بإلى ، وقد جاء التصريح بها في بعض المواضع. حكى الكسائي عن العرب : مطرنا ما زبالة فالثعلبية ، وما منصوبة بمطرنا. وحكى الكسائي والفراء عن العرب : هي أحسن الناس ما قرنا ، وانتصاب ما في هذه المسألة على التفسير ، وتقول : هي حسنة ما قرنها إلى قدمها. قال الفراء : أنشدنا أعرابي من بني سليم :
يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم |
|
ولا حبال محب واصل تصل |
وقال الكسائي : سمعت أعرابيا نظر إلى الهلال فقال : الحمد لله ما إهلالك إلى سرارك ، وحكى الفراء عن العرب : الشنق ما خما فعشرين. والمعنى فيما تقدم ما بين كذا إلى كذا ، وما في هذا المعنى لا تسقط ، فخطأ أن يقول : مطرنا زبالة فالثعلبية. وهذا الذي ذهب إليه الكوفيون لا يعرفه البصريون ، ورده إلى قواعد البصريين مذكور في غير هذا ، والذي نختاره من هذه الأعاريب أن ضرب يتعدى إلى اثنين هو الصحيح ، وذلك الواحد هو مثلا لقوله تعالى : ضرب مثل ، ولأنه المقدم في التركيب ، وصالح لأن ينتصب بيضرب. وما : صفة تزيد النكرة شياعا ، لأن زيادتها في هذا الموضع لا تنقاس. وبعوضة : بدل لأن عطف البيان مذهب الجمهور فيه أنه لا يكون في النكرات ، إنما ذهب إلى ذلك الفارسي ، ولأن الصفة بأسماء الأجناس لا تنقاس. وقرأ الضحاك ، وإبراهيم بن أبي عبلة ، ورؤبة بن العجاج ، وقطرب : بعوضة بالرفع ، واتفق المعربون على أنه خبر ، ولكن اختلفوا فيما يكون عنه خبرا ، فقيل : خبر مبتدأ محذوف تقديره هو بعوضة ، وفي هذا وجهان : أحدهما : أن هذه الجملة صلة لما ، وما موصولة بمعنى الذي ، وحذف هذا العائد وهذا الإعراب لا يصح إلا على مذهب الكوفيين ، حيث لم يشترطوا في جواز حذف هذا الضمير طول الصلة. وأما البصريون فإنهم اشترطوا ذلك في غير أيّ من الموصولات ، وعلى مذهبهم تكون هذه القراءة على هذا التخريج شاذة ، ويكون إعراب ما على هذا التخريج بدلا ، التقدير : مثلا الذي هو بعوضة. والوجه الثاني : أن تكون ما زائدة أو صفة وهو بعوضة وما بعده جملة ، كالتفسير لما انطوى عليه الكلام السابق ، وقيل : خبر مبتدأ ملفوظ به وهو ما ، على أن تكون استفهامية.