وأجاز أبو البقاء أن تكون ما نكرة موصوفة ، وقد بينا ضعف القول بأن ما تكون موصوفة خصوصا هنا ، إذ يصير المعنى : ويقطعون شيئا أمر الله به أن يوصل ، فهو مطلق ولا يقع الذم البليغ والحكم بالفسق والخسران بفعل مطلق ما ، والأمر هو استدعاء الأعلى الفعل من الأدنى ، قال الزمخشري : وبعثه عليه ، وهي نكتة اعتزالية لطيفة ، قال : وبه سمي الأمر الذي هو واحد الأمور ، لأن الداعي الذي يدعو إليه من لا يتولاه شبه بآمر يأمره به ، فقيل له : أمر تسمية للمفعول به بالمصدر كأنه مأمور به ، كما قيل له : شأن ، والشأن الطلب والقصد ، يقال شأنت شأنه ، أي قصدت قصده ، وأمر يتعدى إلى اثنين ، والأول محذوف لفهم المعنى ، أي ما أمر الله به ، وأن يوصل في موضع جر بدل من الضمير في به تقديره به وصله ، أي ما أمرهم الله بوصله ، نحو قال الشاعر :
أمن ذكر سلمى أن نأتك تنوص |
|
فتقصر عنها حقبة وتبوص |
أي أمن ذكر سلمى نأيها.
وأجاز المهدوي وابن عطية وأبو البقاء أن تكون أن يوصل في موضع نصب بدلا من ما ، أي وصله ، والتقدير : ويقطعون وصل ما أمر الله به. وأجاز المهدوي وابن عطية أن تكون في موضع نصب مفعولا من أجله ، وقدره المهدوي كراهية أن يوصل ، فيكون الحامل على القطع لما أمر الله كراهية أن يوصل. وحكى أبو البقاء وجه المفعول من أجله وقدره لئلا ، وأجاز أبو البقاء أن يكون أن يوصل في موضع رفع ، أي هو أن يوصل. وهذه الأعاريب كلها ضعيفة ، ولو لا شهرة قائلها لضربت عن ذكرها صفحا. والأول الذي اخترناه هو الذي ينبغي أن يحمل عليه كلام الله وسواه من الأعاريب ، بعيد عن فصيح الكلام بله أفصح الكلام وهو كلام الله.
(وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) ، فيه أربعة أقوال : أحدها : استدعاؤهم إلى الكفر ، والترغيب فيه ، وحمل الناس عليه. الثاني : إخافتهم السبيل ، وقطعهم الطريق على من هاجر إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وغيرهم. الثالث : نقض العهد. الرابع : كل معصية تعدى ضررها إلى غير فاعلها. وقال ابن عطية : يعبدون غير الله ، ويجوزون في الأفعال ، إذ هي بحسب شهواتهم ، وهذا قريب من القول الرابع. وقد تقدّم ما معنى في الأرض ، والتنبيه على ذكر الأرض ، عند الكلام على قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) (١) ، فأغنى عن
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١١.