يقولون لي أرض الحجاز حديثة |
|
فقلت وما لي في سوى الأرض مطلب |
وقرأ الجمهور : خليفة ، بالفاء ، ويحتمل أن يكون بمعنى الخالف ، ويحتمل أن يكون بمعنى المخلوف ، وإذا كان بمعنى الفاعل كان معناه : القائم مقام غيره في الأمر الذي جعل إليه. والخليفة ، قيل : هو آدم لأنه خليفة عن الملائكة الذين كانوا في الأرض ، أو عن الجن بني الجان ، أو عن إبليس في ملك الأرض ، أو عن الله تعالى ، وهو قول ابن مسعود وابن عباس. والأنبياء هم خلائف الله في أرضه ، واقتصر على آدم لأنه أبو الخلائف ، كما اقتصر على مضر وتميم وقيس ، والمراد القبيلة. وقيل : ولد آدم لأنه يخلف بعضهم بعضا : إذا هلكت أمة خلفتها أخرى ، قاله الحسن ، فيكون مفردا أريد به الجمع ، كما جاء : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) (١) (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (٢). وقيل : الخليفة اسم لكل من انتقل إليه تدبير أهل الأرض والنظر في مصالحهم ، كما أن كل من ولي الروم : قيصر ، والفرس : كسرى ، واليمن : تبّع. وفي المستخلف فيه آدم قولان : أحدهما : الحكم بالحق والعدل. الثاني : عمارة الأرض ، يزرع ويحصد ويبني ويجري الأنهار. وقرأ زيد بن علي وأبو البرهسم عمران : خليقة ، بالقاف ومعناه واضح.
وخطاب الله الملائكة بقوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) أن كان للملائكة الذين حاربوا مع إبليس الجن ، فيكون ذلك عاما بأنه رافعهم إلى السماء ومستخلف في الأرض آدم وذريته. وروي ما يدل على ذلك عن ابن عباس ، وهو ما ملخصه : أن الله أسكن الملائكة السماء ، والجن الأرض ، فعبدوا دهرا طويلا ثم أفسدوا وحسدوا ، فاقتتلوا ، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة رأسهم إبليس ، وكان أشدهم وأعلمهم ، فهبطوا الأرض وطردوا الجن إلى شعف الجبال وبطون الأودية وجزائر البحور وسكنوها ، وخفف عنهم العبادة ، وأعطى الله إبليس ملك الأرض وملك سماء الدنيا وخزانة الجنة ، فكان يعبد تارة في الأرض وتارة في الجنة ، فدخله العجب وقال في نفسه : ما أعطاني الله هذا إلا أني أكرم الملائكة عليه. فقال الله تعالى له ولجنوده : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) بدلا منكم ورافعكم إليّ ، فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة ، وقالوا : (أَتَجْعَلُ) الآية. وإن كان الملائكة ، جميع الملائكة. فسبب القول : إرادة الله أن يطلع الله الملائكة على ما في نفس إبليس من الكبر وأن يظهر ما سبق عليه في علمه.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٦٥.
(٢) سورة النور : ٢٤ / ٥٥.