روي عن ابن عباس ، وعن السدي ، عن أشياخه : وأن يبلو طاعة الملائكة ، قاله الحسن ، أو أن يظهر عجزهم عن الإحاطة بعلمه ، أو أن يعظم آدم بذكر الخلافة قبل وجوده ، ليكونوا مطمئنين له إذا وجدوا ، أو أن يعلمهم بخلقه ليسكن الأرض وإن كان ابتداء خلقه في السماء ، وأن يعلمنا أن نشاور ذوي الأحلام منا وأرباب المعرفة إذ استشار الملائكة اعتبارا لهم ، مع علمه بحقائق الأشياء ، أو أن يتجاوز الخطاب بما ذكر فيحصل منهم الاعتراف والرجوع عما كانوا يظنون من كمال العلم ، أو أن يظهر علو قدر آدم في العلم بقوله لآدم : (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) ، أو أن يعلمنا الأدب معه وامتثال الأمر ، عقلنا معناه أو لم نعقله ، لتحصل بذلك الطاعة المحضة أو أن تطمئن قلوب الملائكة حين خلق الله النار فخافت وسألت : لمن خلقت هذا؟ قال : لمن عصاني. إذ لم يعلموا وجود خلق سواهم ، قاله ابن زيد. وقال بعض أهل الإشارة في قوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) : سابق العناية ، لا يؤثر فيه حدوث الجناية ، ولا يحط عن رتبة الولاية ، وذلك أنه تعالى نصب آدم خليفة عنه في أرضه مع علمه بما يحدث عنه من مخالفة أمره التي أوجبت له الإخراج من دار الكرامة وأهبطه إلى الأرض التي هي محل الأكدار ، ومع ذلك لم يسلبه ما ألبسه من خلع كرامته ، ولا حطه عن رتبة خلافته ، بل أجزل له في العطية فقال : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (١) ، قال الشاعر :
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد |
|
جاءت محاسنه بألف شفيع |
كان عمر ينقل الطعام إلى الأصنام والله يحبه ، قال الشاعر :
أتظنني من زلة أتعتب |
|
قلبي عليك أرق مما تحسب |
ويقال إن الله سبحانه خلق ما خلق ولم يقل في شيء منها ما قال في حديث آدم ، حيث قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً). فظاهر هذا الخطاب تنبيه لشرف خلق الجنان وما فيها ، والعرش بما هو عليه من انتظام الأجزاء وكمال الصورة ، ولم يقل : إني خالق عرشا أو جنة أو ملكا ، وإنما قال ذلك تشريفا وتخصيصا لآدم. قالوا تقدم أن الاختيار في العامل إذ هو ، قالوا : ومعموله الجملة من قوله : أتجعل؟ ولما كانت الملائكة لا تعلم الغيب ولا تسبق بالقول ، لم يكن قولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها) الآية ، إلا عن نبأ ومقدمة ، فقيل : الهمزة ، وإن كان أصلها للاستفهام ، فهو قد صحبه معنى التعجب ، قاله مكي وغيره ، كأنهم
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ١٢٢.