وقت علمه الله الأسماء وأنبأهم هو إياها. نام نومة فخلقت من ضلعه الأقصر قبل دخول الجنة. وأكثر أئمة التفسير أنها خلقت بعد دخول آدم الجنة. استوحش بعد لعن إبليس وإخراجه من الجنة فنام ، فاستيقظ فوجدها عند رأسه قد خلقها الله من ضلعه الأيسر ، فسألها : من أنت؟ قالت : امرأة ، قال : ولم خلقت؟ قالت : تسكن إليّ ، فقالت له الملائكة ، ينظرون مبلغ علمه : ما اسمها؟ قال : حوّاء. قالوا : لم سميت حوّاء؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي. وفي هذه القصة زيادات ذكرها المفسرون لا نطول بذكرها لأنها ليست مما يتوقف عليها مدلول الآية ولا تفسيرها.
وعلى هذا القول يتوجه الخطاب على المعدوم ، لأنه في علم الله موجود ، ويكون آدم قد سكن الجنة لما خلقت أمرا معا بالسكنى ، لتسكن قلوبهم وتطمئن بالقرآن في الجنة. وقد تكلم بعض الناس على أحكام السكنى ، والعمرى ، والرقبى ، وذكر كلام الفقهاء في ذلك ، واختلافهم حين فسر قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ، وليس في الآية ما يدل على شيء مما ذكر.
الجنة : قال أبو القاسم البلخي ، وأبو مسلم الأصبهاني : كانت في الأرض ، قيل : بأرض عدن. والهبوط : الانتقال من بقعة إلى بقعة ، كما في قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً) (١) ، لأنها لو كانت دار الخلد لما لحقه الغرور من إبليس بقوله : (هَلْ أَدُلُّكَ) (٢) ، ولأن من دخل هذه الجنة لا يخرج منها لقوله : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (٣) ، ولأن إبليس ملعون ، فلا يصل إلى جنة الخلد ، ولأن دار الثواب لا يفنى نعيمها لقوله : (أُكُلُها دائِمٌ) (٤) ، ولأنه لا يجوز في حكمته أن يبتدىء الخلق في جنة يخلدهم ، ولأنه لا نزاع في أنه تعالى خلق آدم في الأرض ، ولم يذكر في هذه القصة أنه نقله إلى السماء. ولو كان نقله إلى السماء لكان أولى بالذكر ، لأنه من أعظم النعم. وقال الجبائي : كانت في السماء السابعة لقوله : (اهْبِطُوا) ، ثم الهبوط الأول كان من تلك السماء إلى السماء الأولى ، والهبوط الثاني كان من السماء إلى الأرض. وقالت الجمهور : هي في السماء ، وهي دار الثواب ، لأن الألف واللام في الجنة لا تفيد العموم ، لأن سكنى جميع الجنان محال ، فلا بد من صرفها إلى المعهود السابق ، والمعهود دار الثواب ، ولأنه ثبت في الصحيح في محاجة آدم موسى فقال له : يا آدم أنت أشقيت بنيك وأخرجتهم من الجنة؟ فلم ينازعه آدم في ذلك. وقيل : هي
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٦١.
(٢) سورة طه : ٢٠ / ١٢٠.
(٣) سورة الحجر : ١٥ / ٤٨.
(٤) سورة الرعد : ١٣ / ٣٥.