السماء وليست دار الثواب ، بل هي جنة الخلد. وقيل : في السماء جنة غير دار الثواب وغير جنة الخلد. ورد قول من قال : إنها بستان في السماء ، فلم يصح أن في السماء بساتين غير بساتين الجنة. ومما استدل به من قال : إنها في الأرض قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (١) و (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) (٢) ، (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (٣). وقد لغا إبليس فيها وكذب وأخرج منها آدم وحوّاء ، ولأنها لو كانت دار الخلد لما وصل إليها إبليس ووسوس لهما حتى أخرجهما ، ولأن جنة الخلد دار نعيم وراحة وليست بدار تكليف. وقد تكلف آدم أن لا يأكل من الشجرة ، ولأن إبليس كان من الجن المخلوقين من نار السموم. وقد نقل أنه كان من الجن الكفار الذين طردوا في الأرض ، ولو كانت جنة الخلد لما دخلتها ، ولأنها محل تطهير ، فكيف يحسن أن يقع فيها العصيان والمخالفة ويحل بها غير المطهرين؟.
وأجيب عن الآيات أنها محمولة على حالهم بعد دخول الاستقرار والخلود ، لا على دخولهم على سبيل المرور والجوار. فقد صح دخول رسول الله صلىاللهعليهوسلم الجنة في ليلة المعراج وفي غيرها ، وأنه رآها في حديث الكسوف. وأما دخول إبليس إليها فدخول تسليط تكريم ، وذلك إن صح قالوا : والصحيح أنه لم يدخل الجنة بل وقف على بابها وكلمهما ، وأراد الدخول فردته الخزنة ، وقيل : دخل في جوف الحية مستترا. وأما كونها ليست دار تكليف ، فذلك بعد دخولهم فيها للإقامة المستمرة والجزاء بالأعمال الصالحة. وأما الدخول الذي يعقبه الخروج بسبب المخالفة ، فلا ينافي التكليف بل لا يكون خاليا منه.
(وَكُلا) : دليل على أن الخطاب لهما بعد وجود حوّاء ، لأن الأمر بالأكل للمعدوم فيه بعد ، إلا على تقدير وجوده ، والأصل في : كل اؤكل. الهمزة الأولى هي المجتلبة للوصل ، والثانية هي فاء الكلمة ، فحذفت الثانية لاجتماع المثلين حذف شذوذ ، فوليت همزة الوصل الكاف ، وهي متحركة ، وإنما اجتلبت للساكن ، فلما زال موجب اجتلابها زالت هي. قال ابن عطية وغيره : وحذفت النون من كلا للأمر ، انتهى كلامه. وهذا الذي ذكر ليس على طريقة البصريين ، فإن فعل الأمر عندهم مبني على السكون ، فإذا اتصل به ضمير بارز كانت حركة آخره مناسبة للضمير ، فتقول : كلي ، وكلا ، وكلوا ، وفي الإناث
__________________
(١) سورة الواقعة : ٥٦ / ٢٥ ـ ٢٦.
(٢) سورة الطور : ٥٢ / ٢٣.
(٣) سورة الحجر : ١٥ / ٤٨.