يبقى ساكنا نحو : كلن. وللمعتل حكم غير هذا ، فإذا كان هكذا فقوله : وكلا ، لم تكن فيه نون فتحذف للأمر ، وإنما يكون ما ذكره على مذهب الكوفيين ، حيث زعموا أن فعل الأمر معرب ، وأن أصل : كل لتأكل ، ثم عرض فيه من الحذف بالتدريج إلى أن صار : كل. فأصل كلا : لتأكلا ، وكان قبل دخول لام الأمر عليه فيه نون ، إذ كان أصله : تأكلان ، فعلى قولهم يتم قول ابن عطية : إن النون من كلا حذفت للأمر.
(مِنْها) : الضمير عائد على الجنة ، والمعنى على حذف مضاف ، أي من مطاعمها ، من ثمارها وغيرها ، ودل ذلك على إباحة الأكل لهما من الجنة على سبيل التوسعة ، إذ لم يحظر عليهما أكل ما ، إذ قال : (رَغَداً) ، والجمهور على فتح الغين. وقرأ إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب : بسكونها ، وقد تقدم أنهما لغتان ، وانتصاب رغدا ، قالوا : على أنه نعت لمصدر محذوف تقديره أكلا رغدا. وقال ابن كيسان : هو مصدر في موضع الحال ، وفي كلا الإعرابين نظر. أما الأول : فإن مذهب سيبويه يخالفه ، لأنه لا يرى ذلك ، وما جاء من هذا النوع جعله منصوبا على الحال من الضمير العائد على المصدر الدال عليه الفعل. وأما الثاني : فإنه مقصور على السماع ، قال الزجاج : الرغد الكثير الذي لا يعنيك ، وقال مقاتل : الواسع ، وقال مجاهد : الذي لا يحاسب عليه ، وقيل : السالم من الإنكار الهني ، يقال : رغد عيش القوم ، ورغد ، بكسر الغين وضمها ، إذا كانوا في رزق واسع كثير ، وأرغد القوم : أخصبوا وصاروا في رغد من العيش. وقالوا عيشة رغد بالسكون أيضا.
(حَيْثُ شِئْتُما) : أباح لهما الأكل حيث شاءا فلم يحظر عليهما مكانا من أماكن الجنة ، كما لم يحظر عليهما مأكولا إلا ما وقع النهي عنه. وشاء في وزنه خلاف ، فنقل عن سيبويه : أن وزنه فعل بكسر العين فنقلت حركتها إلى الشين فسكنت ، واللام ساكنة للضمير ، فالتقى ساكنان ، فحذفت لالتقاء الساكنين ، وكسرت الشين لتدل على أن المحذوف هو ياء ، كما صنعت في بعت.
(وَلا تَقْرَبا) : نهاهما عن القربان ، وهو أبلغ من أن يقع النهي عن الأكل ، لأنه إذا نهى عن القربان ، فكيف يكون الأكل منها؟ والمعنى : لا تقرباها بالأكل ، لا أن الإباحة وقعت في الأكل. وحكى بعض من عاصرناه عن ابن العربي ، يعني الماضي أبا بكر ، قال : سمعت الشاشي في مجلس النضر بن شميل يقول : إذا قلت : لا تقرب ، بفتح الراء معناه : لا تلبس بالفعل ، وإذا كان بضم الراء كان معناه لا تدن ، وقد تقدم أن معنى : لا تقرب زيد : ألا تدن منه. وفي هذه الحكاية عن ابن العربي من التخليط ما يتعجب من حاكيها ، وهو