المضارع هنا مبتدأ تقديره : وأنتم تكتمون الحق ، ولا يظهر تخريج هذه القراءة على الحال ، لأن الحال قيد في الجملة السابقة ، وهم قد نهوا عن لبس الحق بالباطل ، على كل حال فلا يناسب ذلك التقييد بالحال إلا أن تكون الحال لازمة ، وذلك أن يقال : لا يقع لبس الحق بالباطل إلا ويكون الحق مكتوما ، ويمكن تخريج هذه القراءة على وجه آخر ، وهو أن يكون الله قد نعى عليهم كتمهم الحق مع علمهم أنه حق ، فتكون الجملة الخبرية عطفت على جملة النهي ، على من يرى جواز ذلك ، وهو سيبويه وجماعة ، ولا يشترط التناسب في عطف الجمل ، وكلا التخريجين تخريج شذوذ. والحق الذي كتموه هو أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبو العالية ، والسدّي ، ومقاتل ، أو الإسلام ، قاله الحسن ، أو يكون الحق عامّا فيندرج فيه أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم والقرآن ، وما جاء به صلىاللهعليهوسلم وكتمانه أنهم كانوا يعلمون ذلك ويظهرون خلافه.
(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة حالية ، ومفعول تعلمون محذوف اقتصارا ، إذ المقصود : وأنتم من ذوي العلم ، فلا يناسب من كان عالما أن يكتم الحق ويلبسه بالباطل ، وقد قدروا حذفه حذف اختصار ، وفيه أقاويل ستة : أحدها : وأنتم تعلمون أنه مذكور هو وصفته في التوراة صلىاللهعليهوسلم. الثاني : وأنتم تعلمون البعث والجزاء. الثالث : وأنتم تعلمون أنه نبي مرسل للناس قاطبة. الرابع : وأنتم تعلمون الحق من الباطل. وقال الزمخشري : وأنتم تعلمون في حال علمكم أنكم لابسون كاتمون ، فجعل مفعول العلم اللبس والكتم المفهومين من الفعلين السابقين ، قال : وهو أقبح ، لأن الجهل بالقبيح ربما عذر راكبه ، انتهى. فكان ما قدّره هو على حذف مضاف ، أي وأنتم تعلمون قبح أو تحريم اللبس والكتم ، وقال ابن عطية : وأنتم تعلمون ، جملة في موضع الحال ولم يشهد تعالى لهم بعلم ، وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا ، انتهى.
ومفهوم كلامه أن مفعول تعلمون هو الحق ، كأنه قال : ولا تكتموا الحق وأنتم تعلمونه ، لأن المكتوم قد يكون حقا وغير حق ، فإذا كان حقا وعلم أنه حق ، كان كتمانه له أشد معصية وأعظم ذنبا ، لأن العاصي على علم أعصى من الجاهل العاصي. قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون شهادة عليهم بعلم حق مخصوص في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولم يشهد لهم بعلم على الإطلاق ، قال : ولا تكون الجملة على هذا في موضع الحال ، انتهى. يعني أن الجملة تكون معطوفة ، وإن كانت ثبوتية على ما قبلها من جملة النهي ، وإن لم تكن مناسبة في الإخبار على ما قررناه من الكلام في تخريجنا لقراءة عبد الله : وتكتمون.
والأظهر من هذه الأقاويل ما قدّمناه أوّلا من كون العلم حذف مفعوله حذف اقتصار ،