إلى دار الجزاء ، فيرغب المشتغل بها في الآخرة ، ويرغب عن الدنيا. وناهيك من عبادة تتكرر على الإنسان في اليوم والليل خمس مرات ، يناجي فيها ربه ويستغفر ذنبه. وبهذا الذي ذكرناه تظهر الحكمة في أن أمروا بالاستعانة بالصبر والصلاة. ويبعد دعوى من قال : إنه خطاب للمؤمنين برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : لأن من ينكره لا يكاد يقال له استعن بالصبر والصلاة. قال : ولا يبعد أن يكون الخطاب أولا لبني إسرائيل ، ثم يقع بعد الخطاب للمؤمنين ، والذي يظهر أن ذلك كله خطاب لبني إسرائيل ، لأن صرف الخطاب إلى غيرهم لغير موجب ، ثم يخرج عن نظم الفصاحة.
(وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) : الضمير عائد على الصلاة. هذا ظاهر الكلام ، وهو القاعدة في علم العربية : أن ضمير الغائب لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل ، وقيل : يعود على الاستعانة ، وهو المصدر المفهوم من قوله : (وَاسْتَعِينُوا) ، فيكون مثل (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (١) ، أي العدل أقرب ، قاله البجلي. وقيل : يعود على إجابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لأن الصبر والصلاة مما كان يدعو إليه ، قاله الأخفش. وقيل : على العبادة التي يتضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة. وقيل : يعود على الكعبة ، لأن الأمر بالصلاة إليها. وقيل : يعود على جميع الأمور التي أمر بها بنو إسرائيل ونهوا عنها ، من قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) إلى (وَاسْتَعِينُوا). وقيل : المعنى على التثنية ، واكتفى بعوده على أحدهما ، فكأنه قال : وإنهما كقوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) (٢) في بعض التأويلات ، وكقوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ، وقول الشاعر :
إن شرخ الشباب والشعر |
|
الأسود ما لم يعاص كان جنونا |
فهذه سبعة أقوال فيما يعود الضمير عليه ، وأظهرها ما بدأنا به أولا ، قال مؤرج في عود الضمير : لأن الصلاة أهم وأغلب ، كقوله تعالى : (انْفَضُّوا إِلَيْها) (٣) ، انتهى. يعني أن ميل أولئك الذين انصرفوا في الجمعة إلى التجارة أهم وأغلب من ميلهم إلى اللهو ، فلذلك كان عود الضمير عليها ، وليس يعني أن الضميرين سواء في العود ، لأن العطف بالواو يخالف العطف بأو ، فالأصل في العطف بالواو مطابقة الضمير لما قبله في تثنية وجمع ، وأما العطف بأو فلا يعود الضمير فيه إلا على أحد ما سبق. ومعنى كبر الصلاة : ثقلها وصعوبتها
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٨.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٣٤.
(٣) سورة الجمعة : ٦٢ / ١١.