على من يفعلها مثل قوله تعالى : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) (١) ، أي شق ذلك وثقل.
(إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) : استثناء مفرغ ، لأن المعنى : وإنها لكبيرة على كل أحد إلا على الخاشعين ، وهم المتواضعون المستكينون ، وإنما لم تشق على الخاشعين ، لأنها منطوية على أوصاف هم متحلون بها لخشوعهم من القيام لله والركوع له والسجود له والرجاء لما عنده من الثواب. فلما كان مآل أعمالهم إلى السعادة الأبدية ، سهل عليهم ما صعب على غيرهم من المنافقين والمرائين بأعمالهم الذين لا يرجون لها نفعا. ويجوز في (الَّذِينَ) الاتباع والقطع إلى الرفع أو النصب ، وذلك صفة مدح ، فالقطع أولى بها. و (يَظُنُّونَ) معناه : يوقنون ، قاله الجمهور ، لأن من وصف بالخشوع لا يشك أنه ملاق ربه ويؤيده أن في مصحف عبد الله الذين يعلمون. وقيل معناه : الحسبان ، فيحتاج إلى مصحح لهذا المعنى ، وهو ما قدّروه من الحذف ، وهو بذنوبهم فكأنهم يتوقعون لقاء ربهم مذنبين ، والصحيح هو الأول ، ومثله (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٢) ، فظنوا أنهم مواقعوها. وقال دريد :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج |
|
سراتهم في السائريّ المسرّد |
قال ابن عطية : قد يوقع الظن موقع اليقين في الأمور المتحققة ، لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس. لا تقول العرب في رجل مرئيّ حاضر : أظن هذا إنسانا ، وإنّما نجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس ، انتهى. والظن في كلا استعماليه من اليقين ، أو الشك يتعدّى إلى اثنين ، وتأتي بعد الظن أن الناصبة للفعل وإنّ الناصبة للاسم الرافعة للخبر فتقول : ظننت أن تقوم ، وظننت أنك تقوم. وفي توجيه ذلك خلاف. مذهب سيبويه : أن أن وإن كل واحدة منهما مع ما دخلت عليه تسد مسد المفعولين ، وذلك بجريان المسند والمسند إليه في هذا التركيب. ومذهب أبي الحسن وأبي العباس : أن أن وما عملت فيه في موضع مفعول واحد أول ، والثاني مقدّر ، فإذا قلت : ظننت أن زيدا قائم ، فتقديره : ظننت قيام زيد كائنا أو واقعا. والترجيح بين المذهبين يذكر في علم النحو.
(أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) ، الملاقاة : مفاعلة تكون من اثنين ، لأن من لاقاك فقد لاقيته. وقال المهدوي والماوردي وغيرهما : الملاقاة هنا ، وإن كانت صيغتها تقتضي التشريك ،
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ١٣.
(٢) سورة الحاقة : ٦٩ / ٢٠.