الأمر بالتوبة ، بعد تقريعهم بأنهم ظلموا أنفسهم ، وأي ظلم أعظم من اتخاذ إله غيره (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١). ونص على أنهم ظلموا أنفسهم بذلك لأنه أفحش الظلم ، لأن نفس الإنسان أحب شيء إليه ، فإذا ظلمها ، كان ذلك أفحش من أن يظلم غيره. ويا قوم : منادى مضاف إلى ياء المتكلم ، وقد حذفت واجتزى بالكسرة عنها ، وهذه اللغة أكثر ما في القرآن. وقد جاء إثباتها كقراءة من قرأ : يا عبادي فاتقون ، بإثبات الياء ساكنة ، ويجوز فتحها ، فتقول : يا غلامي ، وفتح ما قبلها وقلب الياء ألفا ، فتقول : يا غلاما. وأجاز الأخفش حذف الألف والاجتزاء بالفتحة عنها ، فتقول : يا غلام ، وأجازوا ضمه وهو على نية الإضافة فتقول : يا غلام ، تريد : يا غلامي. وعلى ذلك قراءة من قرأ : قل (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) (٢) ، (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) (٣) ، هكذا أطلقوا ، وفصل بعضهم بين أن يكون فعلا أو اسما ، إن كان فعلا فلا يجوز بناؤه على الضم ، ومثل الفعل بمثل : يا ضاربي ، فلا يجيز في هذا يا ضارب ، وظاهر الخطاب اختصاصه بمتخذي العجل. وقيل : يجوز أن يراد به : من عبد ومن لم يعبد جعلوا ظالمين ، لكونهم لم يمنعوهم ولم يقاتلوهم. والباء في (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) سببية ، واحتمال الوجهين السابقين في قوله : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) (٤) جاء هنا أي بعملكم العجل وعبادته ، أو (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) إلها. قال السلمي : عجل كل واحد نفسه ، فمن أسقط مراده وخالف هواه فقد برىء من ظلمه.
(فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) الفاء في فتوبوا معها التسبيب ، لأن الظلم سبب للتوبة ، ولما كان السامريّ قد عمل لهم من حليهم عجلا ، قيل لهم : توبوا إلى بارئكم ، أي منشئكم وموجدكم من العدم ، إذ موجد الأعيان هو الموجد حقيقة. وأما عمل العجل واتخاذه فليس فيه إبراز الذوات من العدم ، إنما ذلك تأليف تركيبي لا خلق أعيان ، فنبهوا بلفظ الباري على الصانع ، أي الذي أوجدكم هو المستحق للعبادة ، لا الذي صنعه ، مصنوع مثله ، فلذلك ، والله أعلم ، كان ذكر الباري هنا. وقرأ الجمهور : بظهور حركة الإعراب في بارئكم ، وروي عن أبي عمرو : الاختلاس ، روى ذلك عنه سيبويه ، وروى عنه : الإسكان ، وذلك إجراء للمنفصل من كلمتين مجرى المتصل من كلمة ، فإنه يجوز تسكين مثل إبل ، فأجرى المكسوران في بارئكم مجرى إبل ، ومنع المبرد التسكين في حركة
__________________
(١) سورة لقمان : ٣١ / ١٣.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ١١٢.
(٣) سورة يوسف : ١٢ / ٣٣.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٩٢.