اختلفوا في رؤية الحق نفسه ، فذهب أكثر المعتزلة إلى أنه لا يرى نفسه ، وذهبت طائفة منهم إلى أنه يرى نفسه ، وذهب الكعبي إلى أنه لا يرى نفسه ولا غيره ، وهذا مذهب النجار ، وكل ذلك مذكور في علم أصول الدين.
(فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) : أي استولت عليكم وأحاطت بكم. وأصل الأخذ : القبض باليد. والصاعقة هنا : هل هي نار من السماء أحرقتهم ، أو الموت ، أو جند سماوي سمعوا حسهم فماتوا ، أو الفزع فدام حتى ماتوا ، أو غشي عليهم ، أو العذاب الذي يموتون منه ، أو صيحة سماوية؟ أقوال ، أصحها : أنها سبب الموت ، لا الموت ، وإن كانوا قد اختلفوا في السبب ، قاله المحققون لقوله تعالى : (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) (١). وأجمع المفسرون على أن المدّة من الموت أو الصعق كانت يوما وليلة. وقيل : أصاب موسى ما أصابهم ، وقيل صعق ولم يمت ، قالوا : وهو الصحيح ، لأنه جاء ، فلما أفاق في حق موسى وجاء ، ثم بعثناكم في حقهم ، وأكثر استعماله البعث في القرآن بعث الأموات. وقيل : غشي عليهم كهو ولم يموتوا ، والصعق يطلق على غير الموت ، وقال جرير :
وهل كان الفرزدق غير قرد |
|
أصابته الصواعق فاستدارا |
والظاهر أن سبب أخذ الصاعقة إياهم قولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) ، إذ لم يقولوا ذلك ويسألوا الرؤية إلا على سبيل التعنت ، وقيل : سبب أخذ الصعقة إياهم هو غير هذا القول من كفرهم بموسى ، أو تكذيبهم إياه لما جاءهم بالتوراة أو عبادة العجل. وقرأ عمرو على الصعقة ، واستعظم سؤال الرؤية حيث وقع ، لأن رؤيته لا تحصل إلا في الآخرة ، فطلبها في الدنيا هو مستنكر ، أو لأن حكم الله أن يزيل التكليف عن العبد حال ما يراه ، فكان طلبها طلبا لإزالة التكليف ، أو لأنه لما دلت الدلائل على صدق المدّعي كان طلب الدلائل الزائدة تعنتا ولأن في منع الرؤية في الدنيا ضربا من المصلحة المهمة للخلق ، فلذلك استنكر.
(وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) : جملة حالية ، ومتعلق النظر : أخذ الصعقة إياكم ، أي وأنتم تنظرون إلى ما حل بكم منها أو بعضكم إلى بعض كيف يخرّ ميتا ، أو إلى الأحياء ، أو تعلمون أنها تأخذكم. فعبر بالنظر عن العلم ، أو إلى آثار الصاعقة في أجسامكم بعد أن بعثتم ، أو ينظر كل منكم إلى إحياء نفسه ، كما وقع في قصة العزير ، قالوا : حيى عضوا بعد
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٥٥.