عضو ، أو إلى أوائل ما كان ينزل من الصاعقة قبل الموت ، أو أنتم يقابل بعضكم بعضا من قول العرب دور آل فلان تتراءى ، أي يقابل بعضها بعضا ، ولو ذهب ذاهب إلى أن المعنى (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إجابة السؤال في حصول الرؤية لهم ، لكان وجها من قولهم : نظرت الرجل ، أي انتظرته ، كما قال الشاعر :
فإنكما إن تنظراني ساعة |
|
من الدهر تنفعني لدى أم جندب |
لكن هذا الوجه ليس بمنقول ، فلا أجسر على القول به ، وإن كان اللفظ يحتمله. وقد عدّ صاحب المنتخب هذا إنعاما سادسا ، وذكر في كونه إنعاما وجوها : منها ما يتعلق بغير بني إسرائيل ، ومنها ما يتعلق بهم ، والمقصود ذكر ما يتعلق بكون ذلك إنعاما ، وهو أن إحياءهم لأن يتوبوا عن التعنت ، ولأن يتخلصوا من أليم العقاب ويفوزوا بجزيل الثواب من أعظم النعم ، ولا تدل هذه الآية على أن قولهم هذا بعد أن كلف عبدة العجل بالقتل ولا قبله. وقد قيل بكل من القولين ، لأن هذه الجمل معطوفة بالواو ، والواو لا تدل بوضعها على الترتيب الزماني. قال بعضهم : لما أحلهم الله محل مناجاته ، وأسمعهم لذيذ خطابه ، اشرأبّت نفوسهم للفخر وعلوّ المنزلة ، فعاملهم الله بنقيض ما حصل في أنفسهم بالصعقة التي هي خضوع وتذلل تأديبا لهم وعبرة لغيرهم ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ). (١)
(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) : معطوف على قوله : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) ، ودل العطف بثم على أن بين أخذ الصاعقة والبعث زمانا تتصوّر فيه المهلة والتأخير ، هو زمان ما نشأ عن الصاعقة من الموت ، أو الغشي على الخلاف الذي مرّ. والبعث هنا : الإحياء ، ذكر أنهم لما ماتوا لم يزل موسى يناشد ربه في إحيائهم ويقول : يا رب إن بني إسرائيل يقولون قتلت خيارنا حتى أحياهم الله جميعا رجلا بعد رجل ، ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون. وقيل : معنى البعث الإرسال ، أي أرسلناكم. روي أنه لما أحياهم الله سألوا أن يبعثهم أنبياء فبعثهم أنبياء. وقيل : معنى البعث : الإفاقة من الغشية ، ويتخرّج على قول من قال إنهم صعقوا ولم يموتوا. وقيل : البعث هنا : القيام بسرعة من مصارعهم ، ومنه قالوا : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) (٢)؟ وقيل معنى البعث هنا ، التعليم ، أي ثم علمناكم من بعد جهلكم ، والموت هنا ظاهره مفارقة الروح الجسد ، وهذا هو الحقيقة ، وكان إحياؤهم لأجل استيفاء أعمارهم. ومن قال : كان ذلك غشيا وهمودا كان الموت مجازا ، قال تعالى :
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٣.
(٢) سورة يس : ٣٦ / ٥٢.