(وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) (١) ، والذي أتاه مقدّماته سميت موتا على سبيل المجاز ، قال الشاعر :
وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا |
|
قولا يبرئكم إني أنا الموت |
جعل نفسه الموت لما كان سببا للموت ، وكذلك إذا حمل الموت على الجهل كان مجازا ، وقد كنى عن العلم بالحياة ، وعن الجهل بالموت. قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) (٢) ، وقال الشافعي ، رحمهالله :
إنما النفس كالزجاجة والعلم سراج وحكمة الله زيت
فإذا أبصرت فإنك حيّ |
|
وإذا أظلمت فإنك ميت |
وقال ابن السيد :
أخو العلم حي خالد بعد موته |
|
وأوصاله تحت التراب رميم |
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى |
|
يظنّ من الأحياء وهو عديم |
ولا يدخل موسى على نبينا وعليهالسلام في خطاب ثم (بَعَثْناكُمْ) ، لأنه خطاب مشافهة للذين قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) ، ولقوله : (فَلَمَّا أَفاقَ) (٣) ، ولا يستعمل هذا في الموت. وأخطأ ابن قتيبة في زعمه أن موسى قد مات (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) : وفي متعلق الشكر أقوال ينبني أكثرها على المراد بالبعث والموت. فمن زعم أنهما حقيقة قال : المعنى لعلكم تشكرون نعمته بالإحياء بعد الموت ، أو على هذه النعمة وسائر نعمه التي أسداها إليهم ، ومن جعل ذلك مجازا عن إرسالهم أنبياء ، أو إثارتهم من الغشي ، أو تعليمهم بعد الجهل ، جعل متعلق الشكر أحد هذه المجازات. وقد أبعد من جعل متعلق الشكر إنزال التوراة التي فيها ذكر توبته عليهم وتفصيل شرائعه ، بعد أن لم يكن شرائع. وقيل : المعنى لعلكم تشكرون نعمة الله بعد ما كفرتموها إذا رأيتم بأس الله في رميكم بالصاعقة وإذاقتكم الموت. وقال في المنتخب : إنما بعثهم بعد الموت في دار الدنيا ليكلفهم وليتمكنوا من الإيمان ومن تلافي ما صدر عنهم من الجرائم. أمّا أنه كلفهم ، فلقوله : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). ولفظ الشكر يتناول جميع الطاعات لقوله : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) (٤) ، انتهى كلامه. وقال الماوردي : اختلف في بقاء تكليف من أعيد بعد موته ،
__________________
(١) سورة ابراهيم : ١٤ / ١٧.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٢٢.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ١٤٣.
(٤) سورة سبأ : ٣٤ / ١٣.