الآكل ، فناسب أن يكون قريبا من العامل فيه ولا يؤخر عنه ، ويفصل بينهما بظرف وإن لم يكن فاصلا مؤثرا المنع لاجتماعهما في المعمولية لعامل واحد ، وأما هنا فإنه أخر لمناسبة الفاصلة بعده ، ألا ترى أن قوله : (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) وقوله : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) ، فهما سجعتان متناسبتان؟ فلهذا ، والله أعلم ، كان هذان التركيبان على هذين الوضعين.
(وَادْخُلُوا الْبابَ) : الخلاف في نصب الباب كالخلاف في نصب القرية ، والباب أحد أبواب بيت المقدس ، ويدعى الآن : باب حطة ، قاله ابن عباس ؛ أو الثامن ، من أبواب بيت المقدس ، ويدعى باب التوبة ، قاله مجاهد والسدي ؛ أو باب القرية التي أمروا بدخولها ، أو باب القبة التي كان فيها موسى وهارون يتعبدان ، أو باب في الجبل الذي كلم الله عليه موسى. (سُجَّداً) نصب على الحال من الضمير في ادخلوا ، قال ابن عباس : معناه ركعا ، وعبر عن الركوع بالسجود ، كما يعبر عن السجود بالركوع ، قيل : لأن الباب كان صغيرا ضيقا يحتاج الداخل فيه إلى الانحناء ، وبعد هذا القول لأنه لو كان ضيقا لكانوا مضطرين إلى دخوله ركعا ، فلا يحتاج فيه إلى الأمر ، وهذا لا يلزم ، لأنه كان يمكن أن تكون الحال لازمة بمعنى أنه لا يمكن أن يقع الدخول إلا على هذه الحال ، والحال اللازمة موجودة في كلام العرب. وقيل : معناه خضعا متواضعين ، واختاره أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل في المنتخب ، ونذكر وجه اختياره لذلك. وقيل : معناه السجود المعروف من وضع الجبهة على الأرض ، والمعنى : ادخلوا ساجدين شكرا لله تعالى ، إذ ردهم إليها. وهذا هو ظاهر اللفظ. قال أبو عبد الله بن أبي الفضل : وهذا بعيد ، لأن الظاهر يقتضي وجوب الدخول حال السجود ، فلو حملناه على ظاهره لامتنع ذلك ، فلما تعذر حمله على حقيقة السجود وجب حمله على التواضع ، لأنهم إذا أخذوا في التوبة ، فالتائب عن الذنب لا بد أن يكون خاشعا مستكينا ، وما ذهب إليه لا يلزم ، لأن أخذ الحال مقارنة ، فتعذر ذلك عنده ، وليس بمتعذر لأنه لا يبعد أن أمروا بالدخول وهم ساجدون ، فيضعون جباههم على الأرض وهم داخلون. وتصدق الحال المقارنة بوضع الجبهة على الأرض إذا دخلوا. وأما إذا جعلنا الحال مقدرة فيصح ذلك ، لأن السجود إذ ذاك يكون متراخيا عن الدخول ، والحال المقدرة موجودة في لسان العرب. من ذلك ما في كتاب سيبويه مررت برجل معه صقر صائدا به غدا. وإذا أمكن حمل السجود على المتعارف فيه كثيرا ، وهو وضع الجبهة بالأرض يكون الحال مقارنة أو مقدرة ، كان أولى. وقال الزمخشري : أمروا بالسجود عند