المنزلة قال : فيزول التغاير في الكيفيات ، ويحصل التوفيق بين الروايات. وهذا الكلام كما ترى. وظاهر القرآن : أن الحجر ليس بمعين ، إذ لم يتقدم ذكر حجر فيكون هذا معهودا ، وأن الاستسقاء لم يتكرّر ، لا هو ولا الضرب ولا الانفجار ، وأن هذه الكيفيات التي ذكروها لم يتعرّض لها لفظ القرآن ، فيحتمل أن يكون ذلك متكررا ، ويحتمل أن يكون ذلك مرة واحدة ، والواحدة هي المتحققة.
(فَانْفَجَرَتْ) : الفاء للعطف على جملة محذوفة ، التقدير : فضرب فانفجرت ، كقوله تعالى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) (١) أي فضرب فانفلق. ويدل على هذا المحذوف وجود الانفجار مرتبا على ضربه ، إذ لو كان يتفجر دون ضرب ، لما كان للأمر فائدة ، ولكان تركه عصيانا ، وهو لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وما ذهب إليه بعض الناس من أن الفاء في مثل : فانفلق ، هي الفاء التي في ضرب ، وأن المحذوف هو المعطوف عليه ، وحرف العطف من المعطوف حتى يكون المحذوف قد بقي عليه دليل ، إذ قد أبقيت فاؤه وحذفت فاء فانفلق ، واتصلت بانفلق فاء فضرب تكلف وتخرص على العرب بغير دليل. وقد ثبت في لسان العرب حذف المعطوف عليه ، وفيه الفاء حيث لا معطوف بالفاء موجود ، قال تعالى : (فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) (٢) ، التقدير : فأرسلوه فقال : فحذف المعطوف عليه والمعطوف ، وإذا جاز حذفهما معا ، فلأن يجوز حذف كل منهما وحده أولى. وزعم الزمخشري أن الفاء ليست للعطف ، بل هي جواب شرط محذوف ، قال : فإن ضربت فقد انفجرت ، كما ذكرنا في قوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) (٣) ، وهي على هذا فاء فصيحة لا تقع إلا في كلام بليغ ، اه كلامه.
وقد تقدّم لنا الردّ على الزمخشري في هذا التقدير في قوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) ، بأن إضمار مثل هذا الشرط لا يجوز ، وبينا ذلك هناك ، وفي قوله أيضا إضمار قد : إذ يقدر ، فقد تاب عليكم ، وقد انفجرت ، ولا يكاد يحفظ من لسانهم ذلك ، إنما تكون بغير فاء ، أو إن دخلت الفاء فلا بد من إظهار قد ، وما دخلت عليه قد يلزم أن يكون ماضيا لفظا ومعنى ، نحو قوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) (٤) ، وإذا كان ماضيا لفظا ومعنى ، استحال أن يكون بنفسه جواب الشرط ، فاحتيج إلى تأويل وإضمار جواب شرط. ومعلوم أن الانفجار على ما قدّر يكون مترتبا على أن يضرب ، وإذا كان مترتبا على مستقبل ، وجب
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٦٣.
(٢) سورة يوسف : ١٢ / ٤٥ و ٤٦.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٥٤.
(٤) سورة فاطر : ٣٥ / ٤.