أن يكون مستقبلا ، وإذا كان مستقبلا امتنع أن تدخل عليه قد التي من شأنها أن لا تدخل في شبه جواب الشرط على الماضي إلا ويكون معناه ماضيا نحو الآية ، ونحو قولهم : إن تحسن إليّ فقد أحسنت إليك ، ويحتاج إلى تأويل ، كما ذكرنا. وليس هذا الفعل بدعاء فتدخله الفاء فقط ويكون معناه الاستقبال ، وإن كان بلفظ الماضي نحو : إن زرتني فغفر الله لك. وأيضا فالذي يفهم من الآية أن الانفجار قد وقع وتحقق ، ولذلك قال : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا) (١) ، وجعله جواب شرط محذوف على ما ذهب إليه هذا الرجل يجعله غير واقع ، إذ يصير مستقبلا لأنه معلق على تقدير وجود مستقبل ، والمعلق على تقدير وجود مستقبل لا يقتضي إمكانه فضلا عن وجوده ، فما ذهب إليه فاسد في التركيب العربي ، وفاسد من حيث المعنى ، فوجب طرحه ، وأين هذا من قوله : وهي على هذا فاء فصيحة لا تقع إلا في كلام بليغ؟ وجاء هنا : انفجرت وفي الأعراف : (فَانْبَجَسَتْ) (٢) ، فقيل : هما سواء ، انفجر وانبجس وانشق مترادفات. وقيل : بينهما فرق ، وهو أن الانبجاس هو أوّل خروج الماء ، والانفجار اتساعه وكثرته. وقيل : الانبجاس خروجه من الصلب ، والانفجار خروجه من اللين. وقيل : الانبجاس هو الرشح ، والانفجار هو السيلان ، وظاهر القرآن استعمالهما بمعنى واحد ، لأن الآيتين قصة واحدة.
(مِنْهُ) متعلق بقوله : فانفجرت ، ومن هنا لابتداء الغاية والضمير عائد على الحجر المضروب ، فانفجار الماء كان من الحجر لا من المكان ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) (٣) ، ولو كان هذا التركيب في غير كلام الله تعالى لأمكن أن يعود الضمير على الضرب ، وهو المصدر المفهوم من الكلام قبله ، وأن تكون من للسبب ، أي فانفجرت بسبب الضرب ، ولكن لا يجوز أن يرتكب مثل هذا في كلام الله تعالى ، لأنه لا ينبغي أن يحمل إلا على أحسن الوجوه في التركيب وفي المعنى ، إذ هو أفصح الكلام. وفي هذا الانفجار من الإعجاز ظهور نفس الماء من حجر لا اتصال له بالأرض ، فتكون مادّته منها ، وخروجه كثيرا من حجر صغير ، وخروجه بقدر حاجتهم ، وخروجه عند الضرب بالعصا ، وانقطاعه عند الاستغناء عنه.
(اثْنَتا عَشْرَةَ) : التاء في اثنتا للتأنيث ، وفي ثنتا للالحاق ، وهذه نظير ابنة وبنت. وقرأ الجمهور : عشرة بسكون الشين. وقرأ مجاهد ، وطلحة ، وعيسى ، ويحيى بن وثاب ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٦٠.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٦٠.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٧٤.