الرب تعالى ، ويؤيده (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) ، والهمزة في (أَتَسْتَبْدِلُونَ) للإنكار ، والاستبدال : الاعتياض. وقرأ أبيّ : أتبدّلون ، وهو مجاز لأن التبديل ليس لهم إنما ذلك إلى الله تعالى ، لكنهم لما كانوا يحصل التبديل بسؤالهم جعلوا مبدّلين ، وكان المعنى : أتسألون تبديل. (الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ، والذي : مفعول أتستبدلون ، وهو الحاصل ، والذي دخلت عليه الباء هو الزائل ، كما قررناه في غير مكان. هو أدنى : صلة للذي ، وهو هنا واجب الإثبات على مذهب البصريين ، إذ لا طول في الصلة ، وأدنى : خبر عن هو ، وهو : أفعل التفضيل ، ومن وما دخلت عليه حذفا للعلم ، وحسن حذفهما كون أفعل التفضيل خبرا ، فإن وقع غير خبر مثل كونه حالا أو صفة قل الحذف وتقديره : أدنى من ذلك الطعام الواحد ، وحسن حذفهما أيضا كون المفضل عليه مذكورا بعد ذلك ، وهو قوله : (بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ، وأفرد : (الَّذِي هُوَ أَدْنى) لأنه أحال به على المأكول الذي هو (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) ، وعلى ما من قوله : (مِمَّا تُنْبِتُ) ، فيكون قد راعى المبدل منه ، إذ لو راعى البدل لقال : أتستبدلون اللاتي هي أدنى ، وقد تقدّم القول في أدنى عند الكلام على المفردات ، وذكرنا الأقاويل الثلاثة فيها. وقرأ زهير الفرقبي ، ويقال له زهير الكسائي : أدنأ بالهمز ، ووقع البعض من جمع في التفسير ، وهم في نسبة هذه القراءة للكسائي ، فقال : وقرأ زهير والكسائي شاذا : أدنأ ، فظن أن هذه قراءة الكسائي ، وجعل زهيرا والكسائي شخصين ، وإنما هو زهير الكسائي يعرف بذلك ، وبالفرقبي ، فهو رجل واحد. فأما تفسير : الأدنى والخير هنا ففيه أقاويل : أحدها : قال الزجاج : تفاضل الأشياء بالقيم ، وهذه البقول لا خطر فيها ولا علو قيمة ، والمنّ والسلوى هما أعلا قيمة وأعظم خطرا ، واختار هذا الزمخشري ، قال : أقرب منزلة وأهون مقدارا ، والدنو والقرب يعبر بهما عن قلة المقدار فيقال : هو أدنى المحل وقريب المنزلة ، كما يعبر بالعبد عن عكس ذلك فيقال : بعيد المحل بعيد المنزلة ، يريدون الرفعة والعلو. انتهى كلامه ، وهو من كلام الزجاج. والثاني : أن المنّ والسلوى هو الذي منّ الله به وأمرهم بأكله ، وفي استدامة ما أمر الله به وشكر نعمته أجر وذخر في الآخرة ، والذي طلبوه عار من هذه الخصال فكان أدنى من هذا الوجه. الثالث : أن التفضيل يقع من جهة الطيب واللذة ، والمن والسلوى لا شك أنهما أطيب من البقول التي طلبوها. الرابع : أن المنّ والسلوى لا كلفة في تحصيله ولا تعب ولا مشقة ، والبقول لا تحصل إلا بعد مشقة الحرث والزرع والخدمة والسقي ، وما حصل بلا مشقة خير مما حصل بمشقة. الخامس : أن المنّ والسلوى لا شك في حله وخلوصه لنزوله من عند