يتم ذلك أيضا إلا على تقدير تغاير الإيمانين ، كما ذكرنا ، إذا كانت مبتدأة. والذي نختاره أنها بدل من المعاطيف التي بعد اسم إن ، فيصح إذ ذاك المعنى ، وكأنه قيل : إن الذين آمنوا من غير الأصناف الثلاثة ، ومن آمن من الأصناف الثلاثة ، فلهم أجرهم. ودخلت الفاء في الخبر ، لأن الموصول ضمن معنى الشرط ، ولم يعتد بدخول إن على الموصول ، وذلك جائز في كلام العرب ، ولا مبالاة بمن خالف في ذلك. ومن زعم أن من آمن معطوف على ما قبله ، وحذف منه حرف العطف ، التقدير : ومن آمن بالله فقوله بعيد عن الصواب ، ولا حاجة تدعو إلى ذلك ، وقد اندرج في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالرسل ، إذ البعث لا يعرف إلا من جهة الرسل.
(وَعَمِلَ صالِحاً) : هو عام في جميع أفعال الصلاح وأقوالها وأداء الفرائض ، أو التصديق بمحمد صلىاللهعليهوسلم أقوال. الثاني : يروى عن ابن عباس ، وقد حمل الصلة أو فعل الشرط والمعطوف على لفظ من ، فأفرد الضمير في آمن وعمل ثم قال : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) إلى آخر الآية ، فجمع حملا على المعنى. وهذان الحملان لا يتمان إلا بإعراب من مبتدأ ، وأما على إعراب من بدلا ، فليس فيه إلا حمل على اللفظ فقط. وللحمل على اللفظ والمعنى قيود ذكرت في النحو. قال أبو محمد بن عطية : وإذا جرى ما بعد من على اللفظ فجائز أن يخالف به بعد على المعنى ، وإذا جرى ما بعدها على المعنى ، لم يجز أن يخالف به بعد على اللفظ ، لأن الإلباس يدخل في الكلام. انتهى كلامه. وليس كما ذكر ، بل يجوز إذا راعيت المعنى أن تراعي اللفظ بعد ذلك. لكنّ الكوفيين يشترطون الفصل في الجمع بين هذه الحملين فيقولون : من يقومون في غير شيء ، وينظر في أمورنا قومك والبصريون لا يشترطون ذلك ، وهذا على ما قرر في علم العربية :
تروى الأحاديث عن كل مسامحة |
|
وإنما لمعانيها معانيها |
وأجرهم : مرفوع بالابتداء ، ولهم في موضع الخبر. وعند الأخفش والكوفيين : إن أجرهم مرفوع بالجار والمجرور. (عِنْدَ رَبِّهِمْ) : ظرف يعمل فيه الاستقرار الذي هو عامل في لهم ، ويحتمل أن ينتصب على الحال ، والعامل فيه محذوف تقديره : كائنا عند ربهم. وقرأ الجمهور : (وَلا خَوْفٌ) ، بالرفع والتنوين. وقرأ الحسن : ولا خوف ، من غير تنوين. وقد تقدم الكلام على قوله : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١) في آخر قصة آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، فأغنى عن إعادته هنا.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٦٢ و ٢٧٤ و ٢٧٧.