ومناسبة ختم هذه الآية بها ظاهره ، لأن من استقر أجره عند ربه لا يلحقه حزن على ما مضى ، ولا خوف على ما يستقبل. قال القشيري : اختلاف الطرق مع اتحاد الأصل لا يمنع من حسن القبول ، فمن صدق الله تعالى في إيمانه ، وآمن بما أخبر به من حقه وصفاته ، فاختلاف وقوع الاسم غير قادح في استحقاق الرضوان.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) : هذا هو الإنعام العاشر ، لأنه إنما أخذ ميثاقهم لمصلحتهم ، وتقدّم الكلام في لفظة الميثاق في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) (١). والميثاق : ما أودعه الله تعالى العقول من الدلائل على وجوده وقدرته وحكمته وصدق أنبيائه ورسله ، أو المأخوذ على ذرية آدم في قوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٢) ، أو إلزام الناس متابعة الأنبياء ، أو الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، أو العهد منهم ليعملنّ بما في التوراة ، فلما جاء موسى قرأوا ما فيها من التثقيل فامتنعوا من أخذها ، أو قوله : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) (٣) ، أقوال ستة. قال القفال : قال ميثاقكم ولم يقل مواثيقكم ، لأنه أراد ميثاق كل واحد منكم ، كقوله : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) (٤) ، أو لأن ما أخذه على واحد منهم ، أخذه على غيره ، فكان ميثاقا واحدا ، ولو جمع لاحتمل التغاير. انتهى كلامه ملخصا.
(وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) : سبب رفعه امتناعهم من دخول الأرض المقدّسة ، أو من السجود ، أو من أخذ التوراة والتزامها. أقوال ثلاثة. روي أن موسى لما جاء إلى بني إسرائيل من عند الله بالألواح فيها التوراة قال لهم : خذوها والتزموها ، فقالوا : لا ، إلا أن يكلمنا الله بها ، كما كلمك ، فصعقوا ثم أحيوا. فقال لهم : خذوها ، فقالوا : لا. فأمر الله تعالى الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله ، وكذلك كان عسكرهم ، فجعل عليهم مثل الظلة ، وأخرج الله تعالى البحر من ورائهم ، وأضرم نارا بين أيديهم ، فاحتاط بهم غضبه ، فقيل لهم : خذوها وعليكم الميثاق أن لا تضيعوها ، وإلا سقط عليكم الجبل ، وغرقكم البحر ، وأحرقتكم النار ، فسجدوا توبة لله ، وأخذوا التوراة بالميثاق ، وسجدوا على شق لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفا. فلما رحمهمالله قالوا : لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها ، فأمروا سجودهم على شق واحد. وذكر الثعلبي أن ارتفاع الجبل فوق رؤوسهم كان مقدار قامة الرجل ، ولم تدل الآية على هذا السجود الذي ذكر في هذه القصة. والواو في قوله : ورفعنا ، واو العطف : على تفسير ابن
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٧.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٧٢.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٨٣.
(٤) سورة غافر : ٤٠ / ٦٧.