ادرسوا ألفاظه وتدبروا معانيه. أو أريد بالذكر : ثمرته ، وهو العمل ، فمعناه : اعملوا بما فيه من الأحكام والشرائع. والضمير في فيه يعود على ما. وقال في المنتخب : لا يحمل على نفس الذكر ، لأن الذكر الذي هو ضدّ النسيان من فعل الله تعالى ، فكيف يجوز الأمر به؟ انتهى.
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) : أي رجاء أن يحصل لكم التقوى بذكر ما فيه. وقيل : معناه لعلكم تنزعون عما أنتم فيه. والذي يفهم من سياق الكلام أنهم امتثلوا الأمر وفعلوا مقتضاه ، يدل على ذلك : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ). فهذا يدل على القبول والالتزام لما أمروا به. وفي بعض القصص أنهم قالوا ، لما زال الجبل : يا موسى ، سمعنا وأطعنا ، ولو لا الجبل ما أطعناك. وفي بعض القصص : فآمنوا كرها ، وظاهر هذا الإلجاء. والمختار عند أهل العلم أن الله تعالى خلق لهم الإيمان والطاعة في قلوبهم وقت السجود ، حتى كان إيمانهم طوعا لا كرها.
(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) : أي أعرضتم عن الميثاق والعمل بما فيه ، وأصل التولي : أن يكون بالجسم ، ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات ، اتساعا ومجازا. ودخول ثم مشعر بالمهلة ، ومن تشعر بابتداء الغاية. لكن بين الجملتين كلام محذوف ، التقدير ، والله أعلم : فأخذتم ما آتيناكم ، وذكرتم ما فيه ، وعملتم بمقتضاه. فلا بد من ارتكاب مجاز في مدلول من ، وأنه لسرعة التولي منهم واجتماعهم عليه ، كأنه ما تخلل بين ما أمروا به وبين التولي شيء. وقد علم أنهم بعد ما قبلوا التوراة ، تولوا عنها بأمور ، فحرّفوها ، وتركوا العمل بها ، وقتلوا الأنبياء ، وكفروا بالله ، وعصوا أمره. ومن ذلك ما اختص به بعضهم ، وما عمله أوائلهم ، وما عمله أواخرهم. ولم يزالوا في التيه ، مع مشاهدتهم الأعاجيب ، يخالفون موسى ، ويظاهرون بالمعاصي في عسكرهم ، حتى خسف ببعضهم ، وأحرقت النار بعضهم ، وعوقبوا بالطاعون ، وكل هذا مذكور في تراجم التوراة التي يقرأون بها ، ثم فعل ساحروهم ما لا خفاء به ، حتى عوقبوا بتخريب بيت المقدس ، وكفروا بالمسيح وهموا بقتله ، والقرآن ، وإن لم يكن فيه بيان ما تولوا به عن التوراة. فالجملة معروفة ، وذلك إخبار من الله عن أسلافهم. فغير عجيب إنكارهم ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، وحالهم في كتابه ما ذكر. والإشارة بذلك في قوله : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) إلى قبول ما أوتوه ، أو إلى أخذ الميثاق والوفاء به ، ورفع الجبل ، أو خروج موسى من بينهم ، أو الإيمان ، أقوال.