كان لونها من الأشياء الثابتة التي لا تتجدّد ، جاء الوصف به بالاسم لا بالفعل ، وتأخر هذا الوصف عن الوصف قبله ، لأنه ناشىء عن الوصف قبله ، أو كالناشىء ، لأن اللون إذا كان بهجا جميلا ، دهشت فيه الأبصار ، وعجبت من حسنه البصائر ، وجاء بوصف الجمع في الناظرين ، ليوضح أن أعين الناس طامحة إليها ، متلذذة فيها بالنظر. فليست مما تعجب شخصا دون شخص ، ولذلك أدخل الألف واللام التي تدل على الاستغراق ، أي هي بصدد من نظر إليها سرّ بها ، وإن كان النظر هنا من نظر القلب ، وهو الفكر ، فيكون السرور قد حصل من التفكر في بدائع صنع الله ، من تحسين لونها وتكميل خلقها. والضمير في تسرّ عائد على البقرة ، على تقدير أن تسرّ صفة ، وإن كان خبرا ، فهو عائد على اللون الذي تسر خبر عنه. وقد تقدّم توجيه التأنيث ، ولذلك من قرأ يسرّ بالياء ، فهو عائد على اللون ، فيحتمل أن يكون لونها مبتدأ ، ويسر خبرا ، ويكون فاقعا صفة تابعة لصفراء ، على حد هذا البيت الذي أنشدناه وهو :
وإني لأسقي الشرب صفراء فاقعا
على قلة ذلك ، ويحتمل أن يكون لونها فاعلا بفاقع ، ويسر إخبار مستأنف. وجمهور المفسرين يشيرون إلى أن الصفرة من الألوان السارة ، ولهذا كان علي كرم الله وجهه ، يرغب في النعال الصفر. وقال ابن عباس : الصفرة تبسط النفس وتذهب الهم ، وكان ابن عباس أيضا يحض على لبس النعال الصفر. ونهى ابن الزبير ويحيى بن أبي كثير عن لباس النعال السود ، لأنها تهم.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) ، قال أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي في ري الظمآن وجه الاشتباه عليهم ، إن كل بقرة لا تصلح عندهم أن تكون آية ، لما علموا من ناقة صالح وما كان فيها من العجائب ، فظنوا أن الحيوان لا يكون آية إلا إذا كان على ذلك الأسلوب ، وذلك لما نبئوا أنها آية ، سألوا عن ماهيتها وكيفيتها ، ولذلك لم يسألوا موسى عن ذلك ، بل سألوه أن يسأل الله لهم عن ذلك ، إذ الله تعالى هو العالم بالآيات ، وإنما سألوا عن التعيين ، وإن كان اللفظ مقتضاه الإطلاق ، لأنهم لو عملوا بمطلقه لم يحصل التقصي عن الأمر بيقين. انتهى كلامه. وقال غيره : لما لم يمكن التماثل من كل وجه ، وحصل الاشتباه ، ساغ لهم السؤال ، فأخبروا بسنها ، فوجدوا مثلها في السن كثيرا ، فسألوا عن اللون ، فأخبروا بذلك ، فلم يزل اللبس بذلك ، فسألوا عن العمل ، فأخبروا بذلك ، وعن بعض أوصافها الخاص بها ، فزال اللبس بتبيين السن واللون والعمل وبعض