تفاعلتم ، وهو الأصل ، هكذا نقل بعض من جمع في التفسير. وقال ابن عطية : قرأ أبو حيوة ، وأبو السوار الغنوي : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ) ، وقرأت فرقة : فتدارأتم على الأصل. انتهى كلامه. ونقل من جمع في التفسير أن أبا السوار قرأ : فدرأتم ، بغير ألف قبل الراء. ويحتمل هذا التدارؤ ، وهو التدافع ، أن يكون حقيقة ، وهو أن يدفع بعضهم بعضا بالأيدي ، لشدة الاختصام. ويحتمل المجاز ، بأن يكون بعضهم طرح قتله على بعض ، فدفع المطروح عليه ذلك إلى الطارح ، أو بأن دفع بعضهم بعضا بالتهمة والبراءة. والضمير في : فيها عائد على النفس ، وهو ظاهر ، وقيل : على القتلة ، فيعود على المصدر المفهوم من الفعل ، وقيل : على التهمة ، فيعود على ما دل عليه معنى الكلام.
(وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ، ما : منصوب باسم الفاعل ، وهو موصول معهود ، فلذلك أتى باسم الفاعل لأنه يدل على الثبوت ، ولم يأت بالفعل الذي هو دال على التجدد والتكرار ، ولا تكرار ، إذ لا تجدد فيه ، لأنها قصة واحدة معروفة ، فلذلك ، والله أعلم ، لم يأت بالفعل. وجاء اسم الفاعل معملا ، ولم يضف ، وإن كان من حيث المعنى ماضيا ، لأنه حكى ما كان مستقبلا وقت التدارؤ ، وذلك مثل ما حكى الحال في قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) (١). ودخلت كان هنا ليدل على تقدم الكتمان ، والعائد على ما محذوف تقديره : ما كنتم تكتمونه. والظاهر أن المعنى ما كنتم تكتمون من أمر القتيل وقاتله ، وعلى هذا ذهب الجمهور. وقيل : يجوز أن يكون عاما في القتيل وغيره ، فيكون القتيل من جملة أفراده ، وفي ذلك نظر ، إذ ليس كل ما كتموه عن الناس أظهره الله تعالى.
(فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) : جملة معطوفة على قوله : (قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها).
والجملة من قوله تعالى : (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه ، مشعرة بأن التدارؤ لا يجدي شيئا ، إذ الله تعالى مظهر ما كتم من أمر القتيل. والهاء في اضربوه عائد على النفس ، على تذكير النفس ، إذ فيها التأنيث ، وهو الأشهر ، والتذكير ، أو على أن الأول هو على حذف مضاف ، أي وإذ قتلتم ذا نفس ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فروعي بعود الضمير مؤنثا في قوله : (فَادَّارَأْتُمْ) فيها ، وروعي المحذوف بعود الضمير عليه مذكرا في قوله : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ) ،
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ١٨.