وقال الماتريدي : يحتمل أن يكون الافتتاح باسم الله ، على سبيل التعظيم لمن ذكر بعده ، كقوله تعالى : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) (١) ، وخص جبريل وميكال بالذكر تشريفا لهما وتفضيلا. وقد ذكرنا عن أستاذنا أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير ، قدس الله روحه ، أنه كان يسمي لنا هذا النوع بالتجريد ، وهو أن يكون الشيء مندرجا تحت عموم ، ثم تفرده بالذكر ، وذلك لمعنى مختص به دون أفراد ذلك العام. فجبريل وميكال جعلا كأنهما من جنس آخر ، ونزل التغاير في الوصف كالتغاير في الجنس ، فعطف. وهذا النوع من العطف ، أعني عطف الخاص على العام ، على سبيل التفضيل ، هو من الأحكام التي انفردت بها الواو ، فلا يجوز ذلك في غيرها من حروف العطف. وقيل : خصا بالذكر ، لأن اليهود ذكرهما ، ونزلت الآية بسببهما. فلو لم يذكرا ، لكان لليهود تعلق بأن يقولوا : لم نعاد الله؟ ولا جميع ملائكته؟ وقيل : خصا بالذكر دفعا لإشكال : أن الموجب للكفر عداوة جميع الملائكة ، لا واحد منهم. فكأنه قيل : أو واحد منهم. وجاء هذا الترتيب في غاية الحسن ، فابتدئ بذكر الله ، ثم بذكر الوسائط التي بينه وبين الرسل ، ثم بذكر الوسائط التي بين الملائكة وبين المرسل إليهم. فهذا ترتيب بحسب الوحي. ولا يدل تقديم الملائكة في الذكر على تفضيلهم على رسل بني آدم ، لأن الترتيب الذي ذكرناه هو ترتيب بالنسبة إلى الوسائط ، لا بالنسبة إلى التفضيل. ويأتي قول الزمخشري : بأن الملائكة أشرف من الأنبياء ، إن شاء الله ، قالوا : واختصاص جبريل وميكال بالذكر يدل على كونهما أشرف من جميع الملائكة. وقالوا : جبريل أفضل من ميكال ، لأنه قدم في الذكر ، ولأنه ينزل بالوحي والعلم ، وهو مادة الأرواح. وميكال ينزل بالخصب والأمطار ، وهي مادة الأبدان ، وغذاء الأرواح أشرف من غذاء الأشباح ، انتهى. ويحتاج تفضيل جبريل على ميكائيل إلى نص جلي واضح ، والتقدم في الذكر لا يدل على التفضيل ، إذ يحتمل أن يكون ذلك من باب الترقي. ومن : في قوله : (مَنْ كانَ عَدُوًّا) شرطية. واختلف في الجواب فقيل : هو محذوف ، تقديره : فهو كافر ، وحذف لدلالة المعنى عليه. وقيل الجواب : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) ، وأتي باسم الله ظاهرا ، ولم يأت بأنه عدوّ لاحتمال أن يفهم أن الضمير عائد على اسم الشرط فينقلب المعنى ، أو عائد على أقرب مذكور ، وهو ميكال ، فأظهر الاسم لزوال اللبس ، أو للتعظيم والتفخيم ، لأن العرب إذا فخمت شيئا كررته بالاسم الذي تقدم له ومنه : (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) (٢) ، (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٣) ، وقول الشاعر :
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٤١.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٦٠.
(٣) سورة الحج : ٢٢ / ٤٠.