منهما ، ولكن يتعلقان بالشياطين على الوجهين اللذين ذكرنا في رفع الشياطين ونصبه. وقرأ الحسن والزهري : هاروت وماروت بالرفع ، فيجوز أن يكونا خبر مبتدأ محذوف ، أي هما هاروت وماروت ، أن كانا ملكين. وجاز أن يكونا بدلا من الشياطين ، الأول أو الثاني ، على قراءة من رفعه ، إن كانا شيطانين. وتقدّم لنا القول في هاروت وماروت ، وأنهما أعجميان. وزعم بعضهم أنهما مشتقان من الهرت والمرت ، وهو الكسر ، وقوله خطأ ، بدليل منعهم الصرف لهما ، ولو كانا ، كما زعم ، لانصرفا ، كما انصرف جاموس إذا سميت به. واختصت بابل بالإنزال لأنها كانت أكثر البلاد سحرا.
(وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) : قرأ الجمهور : بالتشديد ، من علم على بابها من التعليم. وقالت طائفة : هو هنا بمعنى يعلمان التضعيف ، والهمزة بمعنى واحد ، فهو من باب الإعلام ، ويؤيده قراءة طلحة بن مصرّف. وما يعلمان : من أعلم قال : لأن الملكين إنما نزلا يعلمان السحر وينهيان عنه. والضمير في يعلمان عائد على الملكين ، أي وما يعلم الملكان. وكذلك قراءة أبي ، أي بإظهار الفاعل لا إضماره. وقيل : عائد على هاروت وماروت ، ففي القول الأول يكون عائدا على المبدل منه ، وفي الثاني على البدل ، ومن زائدة لتأكيد استغراق الجنس ، لأن أحدا من الألفاظ المستعملة للاستغراق في النفي العام ، فزيدت هنا لتأكيد ذلك ، بخلاف قولك : ما قام من رجل ، فإنها زيدت لاستغراق الجنس ، وشرط زيادتها هنا موجود عند جمهور البصريين ، لأنهم شرطوا أن يكون بعدها نكرة ، وأن يكون قبلها غير واجب. وقد أمعنا الكلام على زيادة من في (كتاب منهج السالك) من تأليفنا ، وأجاز أبو البقاء أن يكون أحد هنا بمعنى واحد ، والأول أظهر. (حَتَّى يَقُولا) : حتى هنا : حرف غاية ، والمعنى انتفاء تعليمهما ، أو إعلامهما على اختلاف القولين في يعلمان إلى أن يقولا : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ). وقال أبو البقاء : حتى هنا بمعنى إلا أن ، وهذا معنى لحتى لا أعلم أحدا من المتقدّمين ذكره. وقد ذكره ابن مالك في (التسهيل) وأنشد عليه في غيره :
ليس العطاء من الفضول سماحة |
|
حتى تجود وما لديك قليل |
قال : يريد إلا أن تجود ، وما في (إِنَّما) كافة ، لأن عن العمل ، فيصير من حروف الابتداء. وقد أجاز بعض النحويين عمل إن مع وجود ما ، نحو : إنما زيدا قائم. (نَحْنُ فِتْنَةٌ) : أي ابتلاء واختبار.
(فَلا تَكْفُرْ) : قال علي رضياللهعنه : كانا يعلمان تعليم إنذار لا تعليم دعاء إليه ،