وأكثر النحويين. وجملة (وَلَقَدْ عَلِمُوا) مقسم عليها التقدير : والله لقد علموا. والجملة الثانية عنده غير مقسم عليها. وأجاز الفراء أن تكون الجملتان مقسما عليهما ، وتكون من للشرط ، وتبعه في ذلك الحوفي وأبو البقاء. قال أبو البقاء : اللام في (لَمَنِ اشْتَراهُ) هي التي يوطأ بها القسم مثل : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) (١) ، ومن في موضع رفع بالابتداء ، وهي شرط وجواب القسم (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ). انتهى كلامه. فاشتراه في القول الأول صلة ، وفي هذا القول خبر عن من ، ويكون إذ ذاك جواب الشرط محذوفا يدل عليه جواب القسم ، لأنه اجتمع قسم وشرط ، ولم يتقدّمهما ذو خبر ، فكان الجواب للسابق ، وهو القسم ، ولذلك كان فعل الشرط ماضيا في اللفظ. هذا هو تقرير هذا القول وتوضيحه. وفي كلا القولين يكون : لمن اشتراه ، في موضع نصب : بيعلموا. وقد نقل عن الزجاج ردّ قول من قال من شرط ، وقال هذا ليس موضع شرط ، ولم ينقل عنه توجيه ، كونه ليس موضع شرط. وأرى المانع من ذلك أن الفعل الذي يلي من هو ماض لفظا ومعنى ، لأن الاشتراء قد وقع ، وجعله شرطا لا يصح ، لأن فعل الشرط إذا كان ماضيا لفظا ، فلا بد أن يكون مستقبلا في المعنى. فلما كان كذلك ، كان ليس موضع شرط. والضمير المنصوب في اشتراه عائد على السحر ، أو الكفر ، أو كتابهم الذي باعوه بالسحر ، أو القرآن ، لأنه تعوضوا عنه بكتب السحر ، أقوال أربعة. والخلاق : النصيب ، قاله مجاهد ، أو الدين ، قاله الحسن ؛ أو القوام ، قاله ابن عباس ، أو الخلاص ، أو القدر ، قاله قتادة ؛ أقوال خمسة.
(وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) : تقدّم القول في بئس ، وفي ما الواقعة بعدها ، ومعناه : ذمّ ما باعوا به أنفسهم. والضمير في به عائد على السحر ، أو الكفر. والمخصوص بالذمّ محذوف تقديره : على أحسن الوجوه التي تقدّمت في بئسما السحر ، أو الكفر. والضمير في : شروا ، ويعلمون ، باتفاق لليهود. فمتى فسر الضمير في ولقد علموا بأنه عائد على الشياطين ، أو اليهود الذين كانوا بحضرة سليمان ، وفي زمانه ، أو الملكين بفتح اللام ، أو بكسرها ، فلا إشكال لاختلاف المسند إليه العلم. وإن اتحد المسند إليه ، أوّل العلم الثاني بالعقل ، لأن العلم من ثمرته ، فلما انتفى الأصل ، نفى ثمرته. أو بالعمل ، لأنه من ثمرة العلم ، فلما انتفت الثمرة ، جعل ما ينشأ عنه منفيا ، أو أوّل متعلق العلم ، وهو المحذوف ، أي علموا ضرره في الآخرة ، ولم يعلموا نفعه في الدنيا. أو علموا نفي
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٠.