(نَأْتِ) : هو جواب الشرط ، واسم الشرط هنا جاء بعده الشرط والجزاء مضارعين ، وهذا أحسن التراكيب في فعلى الشرط والجزاء ، وهو أن يكونا مضارعين. (بِخَيْرٍ مِنْها) : الظاهر أن خيرا هنا أفعل التفضيل ، والخيرية ظاهرة ، لأن المأتي به ، إن كان أخف من المنسوخ أو المنسوء ، فخيريته بالنسبة لسقوط أعباء التكليف ، وإن كان أثقل ، فخيريته بالنسبة لزيادة الثواب. (أَوْ مِثْلِها) : أو مساو لها في التكليف والثواب ، وذلك كنسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة. وذهب قوم إلى أن خيرا هنا ليس بأفعل التفضيل ، وإنما هو خير من الخيور ، كخير في قوله : (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ، فهو عندهم مصدر ، ومن لابتداء الغاية. ويصير المعنى : أنه ما ننسخ من آية أو نؤخرها ، نأت بخير من الخيور من جهة المنسوخ أو المنسوء ، لكن يبعد هذا المعنى قوله : (أَوْ مِثْلِها) ، فإنه لا يصح عطفه على قوله : (بِخَيْرٍ) على هذا المعنى ، إلا إن أطلق الخير على عدم التكليف ، فيكون المعنى : نأت بخير من الخيور ، وهو عدم التكليف ، أو نأت بمثل المنسوخ أو المنسوء ، فكأنه يقول : ما ننسخ من آية أو نؤخرها ، فإلى غير بدل ، أو إلى بدل مماثل ، والذي إلى غيره بدل ، هو خير أتاكم من جهة الآية المنسوخة أو المنسوءة ، إذ هو راحتكم من التكاليف. وأما عطف مثلها على الضمير المجرور في منها فيضعف لعدم إعادة الجار.
(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)؟ قال ابن عطية : ظاهره الاستفهام المحض ، فالمعادل هنا على قول جماعة : أم تريدون. وقال قوم : أم هنا منقطعة ، فالمعادل على قولهم محذوف تقديره : أم علمتم ، وهذا كله على أن القصد بمخاطبة النبي صلىاللهعليهوسلم مخاطبة أمته ، وأما إن كان هو المخاطب وحده ، فالمعادل محذوف لا غير ، وكلا القولين مروي. انتهى كلامه ونقله. وما قالوه ليس بجيد ، بل هذا استفهام معناه التقرير ، فلا يحتاج إلى معادل البتة ، والأولى أن يكون المخاطب السامع ، والاستفهام بمعنى التقرير كثير في كلامهم جدا ، خصوصا إذا دخل على النفي : (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) (١)؟ (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٢)؟ (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) (٣)؟ (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) (٤)؟ (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (٥)؟ فهذا كله استفهام لا يحتاج فيه إلى
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ١٠.
(٢) سورة التين : ٩٥ / ٨.
(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٨.
(٤) سورة الضحى : ٩٣ / ٦.
(٥) سورة الشرح : ٩٤ / ١.