معادل ، لأنه إنما يراد به التقرير. والمعنى : قد علمت أيها المخاطب أن الله قادر على كل شيء ، فله التصرف في تكاليف عباده ، بمحو وإثبات وإبدال حكم بحكم ، وبأن يأتي بالأخير لكم وبالمماثل. وحكمة إفراد المخاطب : أنه ما من شخص إلا يتوهم أنه المخاطب بذلك ، والمنبه به ، والمقرر على شيء ثابت عنده ، وهو أن قدرة الله تعالى متعلقة بالأشياء ، فلن يعجزه شيء ، فإذا كان كذلك لم ينكر النسخ ، لأن الله تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، لا رادّ لأمره ، ولا معقب لحكمه. وفي قوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ) ، فيه خروج من ضمير جمع مخاطب وهو : (مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ، إلى ضمير مخاطب مفرد للحكمة التي بيناها ، وخروج من ضمير متكلم معظم نفسه ، إلى اسم ظاهر غائب وهو الله ، إذ هو الاسم العلم الجامع لسائر الصفات ، ففي ضمنه صفة القدرة ، فهو أبلغ في نسبة القدرة إليه من ضمير المتكلم المعظم ، فلذلك عدل عن قوله : ا لم تعلم أننا إلى قوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ) ، وقد تقدم تفسير قوله : (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١) في أوائل هذه السورة ، فأغنى ذلك عن إعادته.
(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)؟ هذا أيضا استفهام دخل على النفي فهو تقرير ، فليس له معادل ، لأن التقرير معناه : الإيجاب ، أي قد علمت أيها المخاطب أن الله له سلطان السموات والأرض والاستيلاء عليهما ، فهو يملك أموركم ويدبرها ، ويجريها على ما يختاره لكم من نسخ وغيره ، وخص السموات والأرض بالملك ، لأنهما من أعظم المخلوقات ، ولأنهما قد اشتملا على جميع المخلوقات. وإذا كان استيلاؤه على الطرفين ، كان مستوليا على ما اشتملا عليه ، أو لأنه يعبر عن مخلوقاته العلوية بالسماوات ، والسفلية بالأرض.
وتضمنت هاتان الجملتان التقرير على الوصفين اللذين بهما كمال التصرف ، وهما : القدرة والاستيلاء ، لأن الشخص قد يكون قادرا ، بمعنى أن له استطاعة على فعل شيء ، لكنه ليس له استيلاء على ذلك الشيء ، فينفذ فيه ما يستطيع أن يفعل. فإذا اجتمعت الاستطاعة وعدم المانعية ، كمل بذلك التصرف مع الإرادة. وبدأ بالتقرير على وصف القدرة ، لأنه آكد من وصف الاستيلاء والسلطان. (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) : انتقل من ضمير الإفراد في الخطاب إلى ضمير الجماعة ، وناسب الجمع هنا ، لأن المنفي بدخول من عليه صار نصا في العموم ، فناسب كون المنفي عنه يكون عاما أيضا ، كان المعنى : وما
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٠.