(لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً) : الكلام في لو هنا ، كالكلام عليها في قوله : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) (١). فمن قال : إنها مصدرية ، قال : لو ، والفعل في تأويل المصدر ، وهو مفعول. ودّ : أي ودّردكم ، ومن جعلها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره ، جعل الجواب محذوفا ، وجعل مفعول ودّ محذوفا التقدير : ودّردكم كفارا ، لو يردونكم كفارا لسرّوا بذلك. وقال بعض الناس تقديره : لو يردونكم كفارا لودوا ذلك. فودّ دالة على الجواب ، ولا يجوز لودّ الأولى أن تكون هي الجواب ، لأن شرط لو أن تكون متقدّمة على الجواب. انتهى. وهذا الذي قدره ليس بشيء ، لأنك إذا جعلت جواب لو قوله : لودوا ذلك ، كان ذلك دالا على أن الودادة لم تقع ، لأنه جواب للو ، وهو لما كان سيقع لوقوع غيره ، فامتنع وقوع الودادة ، لامتناع وقوع الرد. والغرض أن الودادة قد وقعت. ألا ترى إلى أقوال المفسرين في سبب نزول هذه الآية؟ وهي وإن اختلفت فاتفقوا على وقوع الودادة ، وإن اختلفت أقوالهم بمن وقعت ، وتقدير جواب لو لودوا ذلك ، يدل على أن الودادة لم تقع ، فلذلك كان تقديره لسروا أو لفرحوا بذلك هو المتعين ، إذا جعلت لو تقتضي جوابا. ويرد هنا بمعنى يصير ، فيتعدّى إلى مفعولين : الأول هو ضمير الخطاب ، والثاني كفارا ، وقد أعربه بعضهم حالا ، وهو ضعيف ، لأن الحال مستغنى عنها في أكثر مواردها ، وهذا لا بد منه في هذا المكان. ومن متعلقة بيرد ، وهي لابتداء الغاية ، وظاهر الواو في يردونكم أنها للجمع ، ومن فسر كثيرا بواحد أو باثنين ، فجعل الواو له أو لهما ، ليس على الأصل.
(حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) : انتصاب حسدا على أنه مفعول من أجله ، والعامل فيه ودّ ، أي الحامل لهم على ودادة ردكم كفارا هو الحسد ، وجوزوا فيه أن يكون مصدرا منصوبا على الحال ، أي حاسدين ، ولم يجمع لأنه مصدر ، وهذا ضعيف ، لأن جعل المصدر حالا لا ينقاس. وجوزوا أيضا أن يكون نصبه على المصدر ، والعامل فيه فعل محذوف يدل عليه المعنى ، التقدير : حسدوكم حسدا. والأظهر القول الأول ، لأنه اجتمعت فيه شرائط المفعول من أجله. ويتعلق المجرور الذي هو : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) ، إما بملفوظ به وهو ود ، أي ودوا ذلك من قبل شهوتهم ، لا أن ودادتهم ذلك هي من جهة التدين واتباع الحق. ألا ترى إلى قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ)؟ وإما بمقدر ، فيكون في موضع الصفة ، التقدير : حسدا كائنا من عند أنفسهم. وعلى كلا التقديرين يكون توكيدا ، أي ودادتهم أو حسدهم من تلقائهم. ألا ترى أن ودادة الكفر والحسد على الإيمان
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٩٦.