الحق وبالإحسان إلى الخلق. قال الطبري : إنما أمر الله هنا بالصلاة والزكاة ليحط ما تقدم من ميلهم إلى قول اليهود : راعنا ، لأن ذلك نهي عن نوعه ، ثم أمر المؤمنون بما يحطه. انتهى كلامه. وليس له ذلك الظهور.
(وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) : لما قدم الأمر بالصلاة والزكاة أتى بهذه الجملة الشرطية عامة لجميع أنواع الخير ، فيندرج فيها الصلاة والزكاة وغيرهما. والقول في إعراب ما ومن خير ، كالقول في إعراب : ما ننسخ من آية ، من أنهم قالوا : يجوز أن تكون ما مفعولة ، ومن خير : حال أو مصدر ، ومن خير : مفعول ، أو مفعولة ، ومن خير : تمييز أو مفعولة ، ومن خير ، تبعيضية متعلقة بمحذوف وهو الذي اخترناه. لأنفسكم : متعلق بتقدموا ، وهو على حذف مضاف ، أي لنجاة أنفسكم وحياتها ، قال تعالى : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (١). وقد فسر الخير هنا بالزكاة والصدقة ، والأظهر العموم تجدوه جواب الشرط ، والهاء عائدة على ما ، والخيور المتقدمة هي أفعال منقضية. ونفس ذلك المنقضي لا يوجد ، فإنما ذلك على حذف مضاف ، أي تجدوا ثوابه. فجعل وجوب ما ترتب عليه وجودا له ، وتجدوه متعد إلى واحد ، لأنه بمعنى الإصابة. والعامل في قوله : (عِنْدَ اللهِ) ، إما نفس الفعل ، أو محذوف ، فيكون في معنى الحال من الضمير ، أي تجدوه مدّخرا ومعدّا عند الله. والظرفية هنا المكانية ممتنعة ، وإنما هي مجاز بمعنى القبل ، كما تقول لك : عندي يد ، أي في قبلي ، أو بمعنى في علم الله نحو : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ) (٢) ، أي في علمه وقضائه ، أو بمعنى الاختصاص بالإضافة إلى الله تعالى تعظيما كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) (٣).
(إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) : المجيء بالاسم الظاهر يدل على استقلال الجمل ، فلذلك جاء إن الله ، ولم يجىء إنه ، مع إمكان ذلك في الكلام. وهذه جملة خبرية ظاهرة التناسب في ختم ما قبلها بها ، تتضمن الوعد والوعيد. وكنى بقوله : بصير عن علم المشاهد ، أي لا يخفى عليه عمل عامل ولا يضيعه ، ومن كان مبصرا لفعلك ، لم يخف عليه ، هل هو خير أو شر ، وأتى بلفظ بصير دون مبصرا ، إما لأنه من بصر ، فهو يدل على التمكن والسجية في حق الإنسان ، أو لأنه فعيل للمبالغة بمعنى مفعل ، الذي هو للتكثير. ويحتمل أن يكون فعيل بمعنى مفعل ، كالسميع بمعنى المسمع ، قال بعض الصوفية : على
__________________
(١) سورة الفجر : ٨٩ / ٢٤.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٤٧.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٢٠٦.