ثانيا لمنع ، أو مفعولا من أجله ، فيتعين حذف مضاف ، أي دخول مساجد الله ، أو ما أشبه ذلك ، أو بدلا من مساجد بدل اشتمال ، أي ذكر اسم الله فيها ، أو مفعولا على إسقاط حرف الجر ، أي من أن يذكر. فلما حذفت من انتصب على رأي ، أو بقي مجرورا على رأي. وكنى بذكر اسم الله عما يوقع في المساجد من الصلوات والتقرّبات إلى الله تعالى بالأفعال القلبية والقالبية ، من تلاوة كتبه ، وحركات الجسم من القيام والركوع والسجود والقعود الذي تعبد به ، أو إنما ذكر تعلق المنع بذكر اسم الله تنبيها على أنهم منعوا من أيسر الأشياء ، وهو التلفظ باسم الله. فمنعهم لما سواه أولى. وحذف الفاعل هنا اختصارا ، لأنهم عالم لا يحصون. وجاء تقديم المجرور على المفعول الذي لم يسم فاعله ، لأن المحدث عنه قبل هي مساجد الله ، وهي في اللفظ مذكورة قبل اسم الله ، فناسب تقديم المجرور لذلك. وأضيفت المساجد لله على سبيل التشريف ، كما قال تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) (١) ، وخصّ بلفظ المسجد ، وإن كان الذي يوقع فيه أفعالا كثيرة من القيام والركوع والقعود والعكوف. وكل هذا متعبد به ، ولم يقل مقام ولا مركع ولا مقعد ولا معكف ، لأن السجود أعظم الهيئات الدالة على الخضوع والخشوع والطواعية التامة. ألا ترى إلى قوله صلىاللهعليهوسلم : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»؟ وهي حالة يلقي فيها الإنسان نفسه للانقياد التام ، ويباشر بأفضل ما فيه وأعلاه ، وهو الوجه ، التراب الذي هو موطىء قدميه.
قال ابن عطية : وهذه الآية تتناول كل من منع من مسجد إلى يوم القيامة ، أو خرّب مدينة إسلام ، لأنها مساجد ، وإن لم تكن موقوفة ، إذ الأرض كلها مسجد. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف قيل مساجد الله؟ وإنما وقع المنع والتخريب على مسجد واحد وهو بيت المقدس ، أو المسجد الحرام؟ قلت : لا بأس أن يجيء الحكم عامّا ، وإن كان السبب خاصا ، كما تقول لمن آذى صالحا واحدا ، ومن أظلم ممن آذى الصالحين؟ وكما قال الله عزوجل : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (٢) ، والمنزول فيه الأخنس بن شريق. انتهى كلامه. وقال غيره : جمعت لأنها قبلة المساجد كلها ، يعني الكعبة للمسلمين ، وبيت المقدس لغيره. (وَسَعى فِي خَرابِها) : إما حقيقة ، كتخريب بيت المقدس ، أو مجازا بانقطاع الذكر فيها ومنع قاصديها منها ، إذ ذلك يؤول بها إلى الخراب. فجعل المنع
__________________
(١) سورة الجن : ٧٢ / ١٨.
(٢) سورة الهمزة : ١٠٤ / ١.