المقدورات ، عالما مع تأخر وقوع المعلومات. وكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال فهو بحسب المأمورات ، إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن ، وكلّ ما استند إلى الله من قدرة وعلم فهو قديم لم يزل. انتهى ما نقلناه هنا من كلامه. وقال المهدوي : (وَإِذا قَضى أَمْراً) ، أي أتقنه وأحكمه وفرغ منه. ومعنى : فإنما يقول له كن فيكون ، يقول من أجله. وقيل : قال له كن ، وهو معدوم ، لأنه بمنزلة الموجود ، إذ هو عنده معلوم. قال الطبري : أمره للشيء بكن لا يتقدّم الوجود ولا يتأخر عنه ، فلا يكون الشيء مأمورا بالوجود إلا وهو موجود بالأمر ، ولا موجودا بالأمر إلا وهو مأمور بالوجود. قال : ونظيره قيام الأموات من قبورهم لا يتقدّم دعاء الله ولا يتأخر عنه ، كما قال : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (١). فالهاء في له تعود على الأمر ، أو على القضاء الذي دلّ عليه قضى ، أو على المراد الذي دلّ عليه الكلام. انتهى ما نقلناه من كتابه. وقال مكي : معنى الآية أنه عالم بما سيكون وما هو كائن ، فقوله : كن ، إنما هو للموجود في علمه ليخرجه إلى العيان لنا. انتهى كلامه. وقال الزمخشري : كن فيكون ، من كان التامة ، أي أحدث فيحدث ، وهذا مجاز من الكلام وتمثيل ولا قول ، ثم كما لا قول في قوله :
إذ قالت الأنساع للبطن الحق
وإنما المعنى : ما قضاه من الأمور وأراد كونه ، فإنما يتكوّن ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف. كما أن المأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل ، لا يتوقف ولا يمتنع ، ولا يكون منه الإباء. أكد بهذا استبعاد الولادة ، لأن من كان بهذه الصفة من القدرة ، كانت حاله مباينة لأحوال الأجسام في توالدها. انتهى كلامه. وقال السجاوندي : كن على التمثيل لنفاذ الأمر ، قال :
فقالت له العينان سمعا وطاعة |
|
وإلا فالمعدوم كيف يخاطب |
أو علامة للملائكة بحدوث الموجود ، أو على تقدير ما تصوّر كونه في علمه ، أو مخصوص في تحويل الموجود من حال إلى حال ، ولو كان كن مخلوقا ، لاحتاج إلى أخرى ولا يتناهى ، فدلّ على أن القرآن غير مخلوق. انتهى كلامه. قال المهدوي : وفي هذه الآية دليل على أن كلام الله غير مخلوق ، لأنه لو كان مخلوقا لكان قائلا له : كن ، ولكان قائلا : لكن كن ، حتى ينتهي ذلك إلى ما لا يتناهى ، وذلك مستحيل ما ما يؤدّي إليه ذلك
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠ / ٢٥.