وما تسأل. وقرأ ابن مسعود : ولن تسأل ، وهذا كله خبر. فالقراءة الأولى ، وقراءة أبي يحتمل أن تكون الجملة مستأنفة ، وهو الأظهر ، ويحتمل أن تكون في موضع الحال. وأما قراءة ابن مسعود فيتعين فيها الاستئناف ، والمعنى على الاستئناف أنك لا تسأل عن الكفار ما لهم لم يؤمنوا ، لأن ذلك ليس إليك ، (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) (١) ، (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (٢) ، (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) (٣). وفي ذلك تسلية له صلىاللهعليهوسلم ، وتخفيف ما كان يجده من عنادهم ، فكأنه قيل : لست مسؤولا عنهم ، فلا يحزنك كفرهم. وفي ذلك دليل على أن أحدا لا يسأل عن ذنب أحد ، (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٤). وأما الحال فعطف على ما قبلها من الحال ، أي وغير مسؤول عن الكفار ما لهم لا يؤمنون ، فيكون قيدا في الإرسال ، بخلاف الاستئناف. وقرأ نافع ويعقوب : ولا تسأل ، بفتح التاء وجزم اللام ، وذلك على النهي ، وظاهره : أنه نهى حقيقة ، نهي صلىاللهعليهوسلم أن يسأل عن أحوال الكفار. قال محمد بن كعب القرظي : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ليت شعري ما فعل أبواي» ، فنزلت ، واستبعد في المنتخب هذا ، لأنه عالم بما آل إليه أمرهما. وقد ذكر عياض أنهما أحييا له فأسلما. وقد صح أن الله أذن له في زيارتهما ، واستبعد أيضا ذلك ، لأن سياق الكلام يدل على أن ذلك عائد على اليهود والنصارى ومشركي العرب ، الذين جحدوا نبوّته ، وكفروا عنادا ، وأصروا على كفرهم. وكذلك جاء بعده : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى) إلا إن كان ذلك على سبيل الانقطاع من الكلام الأول ، ويكون من تلوين الخطاب وهو بعيد. وقيل : يحتمل أن لا يكون نهيا حقيقة ، بل جاء ذلك على سبيل تعظيم ما وقع فيه أهل الكفر من العذاب ، كما تقول : كيف حال فلان ، إذا كان قد وقع في بلية ، فيقال لك : لا تسأل عنه. ووجه التعظيم : أن المستخبر يجزع أن يجري على لسانه ما ذلك الشخص فيه لفظاعته ، فلا تسأله ولا تكلفه ما يضجره ، أو أنت يا مستخبر لا تقدر على استماع خبره لإيحاشه السامع وإضجاره ، فلا تسأل ، فيكون معنى التعظيم : إما بالنسبة إلى المجيب ، وإما بالنسبة إلى المجاب ، ولا يراد بذلك حقيقة النهي.
(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) : روي أن اليهود والنصارى طلبوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم الهدنة ، ووعدوه أن يتبعوه بعد مدة خداعا منهم ، فأطلعه الله على سر خداعهم ، فنزلت نفي الله رضاهم عنه إلا بمتابعته دينهم ، وذلك بيان أنهم
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٤٨.
(٢) سورة القصص : ٢٨ / ٥٦.
(٣) سورة الرعد : ١٣ / ٧.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ١٦٤.