أصحاب الجحيم الذين هم أصحابها ، لا يطمع في إسلامهم. والظاهر أن قوله تعالى : (وَلَنْ تَرْضى) خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، علق رضاهم عنه بأمر مستحيل الوقوع منه صلىاللهعليهوسلم ، وهو اتباع ملتهم. والمعلق بالمستحيل مستحيل ، سواء فسرنا الملة بالشريعة ، أو فسرناها بالقبلة ، أو فسرناها بالقرآن. وقيل : هو خطاب له ، وهو تأديب لأمته ، فإنهم يعلمون قدره عند ربه ، وإنما ذلك ليتأدب به المؤمنون ، فلا يوالون الكافرين ، فإنهم لا يرضيهم منهم إلا اتباع دينهم. وقيل : هو خطاب له ، والمراد أمته ، لأن المخاطب لا يمكن ما خوطب به أن يقع منه ، فيصرف ذلك إلى من يمكن ذلك منه ، مثل قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (١) ، ويكون تنبيها من الله على أن اليهود والنصارى يخادعونكم بما يظهرون من الميل وطلب المهادنة والوعد بالموافقة ، ولا يقع رضاهم إلا باتباع ملتهم. ووحدت الملة ، وإن كان لهم ملتان ، لأنهما يجمعهما الكفر ، فهي واحدة بهذا الاعتبار ، أو للإيجاز فيكون من باب الجمع في الضمير ، نظير : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) (٢) ، لأن المعلوم أن النصارى لن ترضى حتى تتبع ملتهم ، واليهود لن ترضى حتى تتبع ملتهم. وقد اختلف العلماء في الكفر ، أهو ملة واحدة أو ملل؟ وثمرة الخلاف تظهر في الارتداد من ملة إلى ملة ، وفي الميراث ، وذلك مذكور في الفقه.
(قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) : أمره أن يخاطبهم بأن هدى الله ، أي الذي هو مضاف إلى الله ، وهو الإسلام الذي أنت عليه ، هو الهدى ، أي النافع التام الذي لا هدى وراءه ، وما أمرتم باتباعه هو هوى لا هدى ، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) (٣). وأكد الجملة بأن وبالفصل الذي قبل ، فدل على الاختصاص والحصر ، وجاء الهدى معرّفا بالألف واللام ، وهو مما قيل : إن ذلك يدل على الحصر ، فإذا قلت : زيد العالم ، فكأنه قيل : هو المخصوص بالعلم والمحصور فيه ذلك. ثم ذكر تعالى أن ما هم عليه إنما هي أهواء وضلالات ناشئة عن شهواتهم وميولهم ، فقال : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) : وهو خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم على الأقوال التي في قوله : (وَلَنْ تَرْضى). واللام في لئن تسمى الموطئة والمؤذنة ، وهي تشعر بقسم مقدر قبلها ، ولذلك يبنى ما بعد الشرط على القسم
__________________
(١) سورة الزمر (٣٩) ، آية رقم : ٦٥.
(٢) سورة البقرة (٢) آية رقم : ١٣٥.
(٣) سورة القصص (٢٨) ، آية رقم : ٥٠.