البصريين. وأما الفاء فقد أدغمت في الباء في قراءة الكسائي : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ) (١) ، وهو إمام الكوفيين. وأما الراء ، فذهب الخليل وسيبويه وأصحابه إلى أنه لا يجوز إدغام الراء في اللام من أجل تكريرها ، ولا في النون. وأجاز ذلك في اللام : يعقوب ، وأبو عمرو ، والكسائي ، والفراء ، وأبو جعفر الرؤاسي ، وهؤلاء الثلاثة رؤوس الكوفيين ، حكوه سماعا عن العرب. وإنما تعرضت لإدغام هذه الحروف فيما يجاورها ، وذكر الخلاف فيها ، لئلا يتوهم من قول الزمخشري : لا تدغم فيما يجاورها ، أنه لا يجوز ذلك بإجماع من النحويين. فأوردت هذا الخلاف فيها ، تنبيها على أن ذلك ليس بإجماع ، إذ إطلاقه يدل على المنع البتة. وقراءة ابن أبي حبيب : بضم الطاء ، توجيهها أنه أتبع حركة الطاء لحركة الراء ، وهو شاذ. وأما قراءة أبي بالنون فيهما ، فهي مخالفة لرسم المصحف ، فهي شاذة. وقراءة ابن عباس بصيغة الأمر يكون تكرير قال على سبيل التوكيد ، أو ليكون ذلك جملتين ، جملة بالدعاء لمن آمن ، وجملة بالدعاء على من كفر ، فلا يندرجان تحت معمول واحد ، بل أفرد كلا بقول. واضطره على هذه القراءة ، هو بفتح الراء المشدّدة ، كما تقول : عضه بالفتح ، وهذا الإدغام هو على لغة غير الحجازيين ، لأن لغة الحجازيين في مثل هذا الفك. ولو قرأ على لغة قومه ، لكان اضطره إلى عذاب يتعلق بقوله : ثم أضطره. ومعنى الاضطرار هنا هو أنه يلجأ ويلز إلى العذاب ، بحيث لا يجد محيصا عنه إذا حد ، لا يؤثر دخول النار ولا يختاره. ومفهوم الشرط هنا ملغى ، إذ قد يدخل النار بعض العصاة من المؤمنين. (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) المخصوص بالذم محذوف لفهم المعنى ، أي وبئس المصير النار ، إن كان المصير اسم مكان ، وإن كان مصدرا على رأي من أجاز ذلك فالتقدير : وبئست الصيرورة صيرورته إلى العذاب.
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ) : هذه الجملة معطوفة على ما قبلها ، فالعامل في إذ ما ذكر أنه العامل في إذ قبلها. ويرفع في معنى رفع ، وإذ من الأدوات المخلصة للمضارع إلى الماضي ، لأنها ظرف لما مضى من الزمان. والرفع حالة الخطاب قد وقع. وقال الزمخشري : هي حكاية حال ماضية ، وفي ذلك نظر. من البيت : هو الكعبة. ذكر المفسرون في ماهية هذا البيت وقدمه وحدوثه ، ومن أي شيء كان باباه ، وكم مرة حجه آدم ، ومن أي شيء بناه إبراهيم ، ومن ساعده على البناء ، قصصا كثيرة. واستطردوا من ذلك للكلام في البيت المعمور ، وفي طول آدم ، والصلع الذي عرض له ولولده ، وفي
__________________
(١) سورة سبأ : ٣٤ / ٩.