العبادة المشروعة؟ وقال القفال : دعاهم إلى أن لا يتحرّوا في أعمالهم غير وجه الله تعالى ، ولم يخف عليهم الاشتغال بعبادة الأصنام ، وإنما خاف عليهم أن تشغلهم دنياهم. وفي ذلك دليل على أن شفقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على أولادهم كانت في باب الدين ، وهمتهم مصروفة إليهم. من بعدي : يريد من بعد موتي ، وحكي أن يعقوب عليهالسلام حين خير ، كما يخير الأنبياء ، اختار الموت وقال : أمهلوني حتى أوصي بني وأهلي ، فجمعهم وقال لهم هذا القول.
(قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) : هذه قراءة الجمهور. وقرأ أبي : وإله إبراهيم ، بإسقاط آبائك. وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وابن يعمر ، والجحدري ، وأبو رجاء : وإله أبيك. فأما على قراءة الجمهور ، فإبراهيم وما بعده بدل من آبائك ، أو عطف بيان. وإذا كان بدلا ، فهو من البدل التفصيلي ، ولو قرىء فيه بالقطع ، لكان ذلك جائزا. وأجاز المهدوي أن يكون إبراهيم وما بعده منصوبا على إضمار ، أعني : وفيه دلالة على أن العم يطلق عليه أب. وقد جاء في العباس : هذا بقية آبائي ، وردّوا عليّ أبي ، وأنا ابن الذبيحين ، على القول الشهير : أن الذبيح هو إسحاق ، وفيه دلالة على أن الجدّ يسمى أبا لقوله : (وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ) ، وإبراهيم جدّ ليعقوب. وقد استدل ابن عباس بذلك وبقوله : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) (١) على توريث الجدّ دون الإخوة ، وإنزاله منزلة الأب في الميراث ، عند فقد الأب ، وأن لا يختلف حكمه وحكم الأب في الميراث ، إذا لم يكن أب ، وهو مذهب الصديق وجماعة من الصحابة ، رضوان الله عليهم أجمعين ، وهو قول أبي حنيفة. وقال زيد بن ثابت : هو بمنزلة الإخوة ، ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث ، فيعطى الثلث ، ولم ينقص منه شيئا ، وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعي. وقال علي : هو بمنزلة أحد الإخوة ، ما لم تنقصه المقاسمة من السدس ، فيعطى السدس ، ولم ينقص منه شيئا ، وبه قال ابن أبي ليلى ، وحجج هذه الأقوال في كتب الفقه. وأما قراءة أبيّ فظاهرة ، وأما على قراءة ابن عباس ، ومن ذكر معه ، فالظاهر أن لفظ أبيك أريد به الإفراد ويكون إبراهيم بدلا منه ، أو عطف بيان. وقيل : هو جمع سقطت منه النون للإضافة ، فقد جمع أب على أبين نصبا وجرا ، وأبون رفعا ، حكى ذلك سيبويه ، وقال الشاعر :
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٣٨.