يريد : أم غير رشد ، فحذف لدلالة الكلام عليه ، وإنما جاز ذلك لأن المستفهم عن الإثبات يتضمن نقيضه. فالمعنى : أقام زيد أم لم يقم ، ولذلك صلح الجواب أن يكون بنعم وبلا ، فلذلك جاز ذلك في البيت في قوله : أرشد طلابها ، أي أم غير رشد. ويجوز حذف الثواني المقابلات إذا دل عليها المعنى. ألا ترى إلى قوله : (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (١) ، كيف حذف والبرد؟ إذ حضر العامل في إذ شهداء ، وذلك على جهة الظرف ، لا على جهة المفعول ، كأنه قيل : حاضري كلامه في وقت حضور الموت ، وكنى بالموت عن مقدّماته لأنه إذا حضر الموت نفسه لا يقول المحتضر شيئا ، ومنه : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) (٢) ، أي ويأتيه دواعيه وأسبابه ، وقال الشاعر :
وقل لهم بادروا العذر والتمسوا |
|
قولا يبرئكم إني أنا الموت |
وفي قوله : حضر ، كناية غريبة ، إنه غائب لا بد أن يقدم ، ولذلك يقال في الدعاء : واجعل الموت خير غائب ننتظره. وقرىء : حضر بكسر الضاد ، وقد ذكرنا أن ذلك لغة ، وأن مضارعها بضم الضاد شاذ ، وقدم المفعول هنا على الفاعل للاعتناء. (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ) ، إذ : بدل من إذ في قوله : إذ حضر ، فالعامل فيه إما شهداء العاملة في إذ الأولى على قول من زعم أن العامل في البدل العامل في المبدل منه ، وإما شهداء مكررة على قول من زعم أن البدل على تكرار العامل. وزعم القفال أن إذ وقت للحضور ، فالعامل فيه حضر ، وهو يؤول إلى اتحاد الظرفين ، وإن اختلف عاملهما.
(ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) ما : استفهام عما لا يعقل ، وهو اسم تام منصوب بالفعل بعده. فعلى قول من زعم أن ما مبهمة في كل شيء ، يكون هنا يقع على من يعقل وما لا يعقل ، لأنه قد عبد بنو آدم والملائكة والشمس والقمر وبعض النجوم والأوثان المنحوتة ، وأما من يذهب إلى تخصيص ما بغير العاقل ، فقيل : هو سؤال عن صفة المعبود ، لأن ما يسأل بها عن الصفات تقول : ما زيد ، أفقيه أم شاعر؟ وقيل : سأل بما لأن المعبودات المتعارفة في ذلك الوقت كانت جمادات ، كالأوثان والنار والشمس والحجارة ، فاستفهم بما التي يستفهم بها عما لا يعقل. وفهم عنه بنوه فأجابوه : بأنا لا نعبد شيئا من هؤلاء. وقيل : استفهم بما عن المعبود تجربة لهم ، ولم يقل من لئلا يطرّق لهم الاهتداء ، وإنما أراد أن يختبرهم وينظر ثبوتهم على ما هم عليه. وظاهر الكلام أنه استفهم عن الذي يعبدون ، أي
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٨١.
(٢) سورة إبراهيم : ١٤ / ١٧.