فصيروا مثل كعصف مأكول وكقوله :
يا عاذلي دعني من عذلكا |
|
مثلي لا يقبل من مثلكا |
وقيل : ليست بزائدة. والمثلية هنا متعلقة بالاعتقاد ، أي فإن اعتقدوا مثل اعتقادكم ، أو متعلقة بالكتاب ، أي فإن آمنوا بكتاب مثل الكتاب الذي آمنتم به. والمعنى : فإن آمنوا بكتابكم المماثل لكتابهم ، أي فإن آمنوا بالقرآن الذي هو مصدق لما في التوراة والإنجيل ، وعلى هذا التأويل ، لا تكون الباء زائدة ، بل هي مثلها في قوله : آمنت بالكتاب. وقالت فرقة : هذا من مجاز الكلام ، يقول : هذا أمر لا يفعله مثلك ، أي لا تفعله أنت. والمعنى : فإن آمنوا بالذي آمنتم به ، وهذا يؤول إلى إلغاء مثل ، وزيادتها من حيث المعنى. وقال الزمخشري : بمثل ما آمنتم به من باب التبكيت ، لأن دين الحق واحد ، لا مثل له ، وهو دين الإسلام. (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (١) ، فلا يوجد إذا دين آخر يماثل دين الإسلام في كونه حقا ، حتى إن آمنوا بذلك الدين المماثل له ، كانوا مهتدين ، فقيل : فإن آمنوا بكلمة الشك ، على سبيل العرض ، والتقدير : أي فإن حصلوا دينا آخر مثل دينكم ، مساويا له في الصحة والسداد.
(فَقَدِ اهْتَدَوْا) : وفيه أن دينهم الذي هم عليه ، وكل دين سواه مغاير له غير مماثل ، لأنه حق وهدى ، وما سواه باطل وضلال ، ونحو هذا قولك للرجل الذي تشير عليه : هذا هو الرأي الصواب ، فإن كان عندك رأي أصوب منه ، فاعمل به ، وقد علمت أن لا أصوب من رأيك ، ولكنك تريد تبكيت صاحبك وتوقيفه على أن ما رأيت لا رأي وراءه. انتهى كلامه ، وهو حسن. وجواب الشرط قوله : (فَقَدِ اهْتَدَوْا) ، وليس الجواب محذوفا ، كهو في قوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ) (٢) لمعنى تكذيب الرسل قطعا ، واستقبال الهداية هنا ، لأنها معلقة على مستقبل ، ولم تكن واقعة قبل.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا) : أي إن أعرضوا عن الدخول في الإيمان. (فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) : أكد الجملة الواقعة شرطا بأن ، وتأكد معنى الخبر بحيث صار ظرفا لهم ، وهم مظروفون له. فالشقاق مستول عليهم من جميع جوانبهم ، ومحيط بهم إحاطة البيت بمن فيه. وهذه
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٨٥.
(٢) سورة فاطر : ٣٥ / ٤.