واحد ، فلا يناسب الجدال فيما شاء من أفعاله ، وما خص به بعض مربوباته من الشرف والزلفى ، لأنه متصرف في كلهم تصرف المالك. وقيل المعنى : أتجادلوننا في دين الله ، وتقولون إن دينكم أفضل الأديان ، وكتابكم أفضل الكتب؟ والظاهر إنكار المجادلة في الله ، حيث زعمت النصارى أن الله هو المسيح ، وحيث زعم بعضهم أن الله ثالث ثلاثة ، وحيث زعمت اليهود أن الله له ولد ، وزعموا أنه شيخ أبيض الرأس واللحية ، إلى ما يدعونه فيه من سمات الحدوث والنقص ، تعالى الله عن ذلك ، فأنكر عليهم كيف يدعون ذلك ، والرب واحد لهم ، فوجب أن يكون الاعتقاد فيه واحدا ، وهو أن تثبت صفاته العلا ، وينزه عن الحدوث والنقص.
(وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) ، المعنى : ولنا جزاء أعمالنا ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر. والمعنى : أن الرب واحد ، وهو المجازي على الأعمال ، فلا تنبغي المجادلة فيه ولا المنازعة. (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) : ولما بين القدر المشترك من الربوبية والجزاء ، ذكر ما يميز به المؤمنون من الإخلاص لله تعالى في العمل والاعتقاد ، وعدم الإشراك الذي هو موجود في النصارى وفي اليهود ، لأن من عبد موصوفا بصفات الحدوث والنقص ، فقد أشرك مع الله إلها آخر. والمعنى : أنا لم نشب عقائدنا وأفعالنا بشيء من الشرك ، كما ادعت اليهود في العجل ، والنصارى في عيسى. وهذه الجملة من باب التعريض بالذم ، لأن ذكر المختص بعد ذكر المشترك نفي لذلك المختص عمن شارك في المشترك ، ويناسب أن يكون استطرادا ، وهو أن يذكر معنى يقتضي أن يكون مدحا لفاعله وذما لتاركه ، نحو قوله :
وأنا لقوم ما نرى القتل سبة |
|
إذا ما رأته عامر وسلول |
وهي منبهة على أن من أخلص لله ، كان حقيقا أن يكون منهم الأنبياء وأهل الكرامة ، وقد كثرت أقوال أرباب المعاني في الإخلاص. فروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «سألت جبريل عن الإخلاص ما هو؟ فقال : سألت رب العزة عن الإخلاص ما هو؟ فقال : سر من أسراري استودعته قلب من أحببته من عبادي». وقال سعيد بن جبير : الإخلاص : أن لا يشرك في دينه ، ولا يرائي في عمله أحدا. وقال الفضيل : ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما. وقال ابن معاذ : تمييزا لعمل من الذنوب ، كتمييز اللبن من بين الفرث والدم. وقال البوشنجي : هو معنى لا يكتبه الملكان ، ولا يفسده الشيطان ، ولا يطلع عليه الإنسان ، أي لا يطلع عليه إلا الله.