وقال رويم : هو ارتفاع عملك عن الرؤية. وقال حذيفة المرعشي : أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن. وقال أبو يعقوب المكفوف : أن يكتم العبد حسناته ، كما يكتم سيئاته. وقال سهل : هو الإفلاس ، ومعناه أن يرجع إلى احتقار العمل. وقال أبو سليمان الداراني : للمرائي ثلاث علامات : يكسل إذا كان وحده ، وينشط إذا كان في الناس ، ويزيد في العمل إذا أثني عليه. وهذا القول الذي أمر به صلىاللهعليهوسلم أن يقوله على وجه الشفقة والنصيحة في الدين ، لينبهوا على أن تلك المجادلة منكم ليست واقعة موقع الصحة ، ولا هي مما ينبغي أن تكون. وليس مقصودنا بهذا التنبيه دفع ضرر منكم ، وإنما مقصودنا نصحكم وإرشادكم إلى تخليص اعتقادكم من الشرك ، وأن تخلصوا كما أخلصنا ، فنكون سواء في ذلك.
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى) : قرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص : أم تقولون بالتاء ، وقرأ الباقون بالياء. فأما قراءة التاء ، فيحتمل أم فيه وجهين. أحدهما : أن تكون فيه أم متصلة ، فالاستفهام عن وقوع أحد هذين الأمرين : المحاجة في الله ، والادعاء على إبراهيم ومن ذكر معه ، أنهم كانوا يهودا ونصارى ، وهو استفهام صحبه الإنكار والتقريع والتوبيخ ، لأن كلا من المستفهم عنه ليس بصحيح. الوجه الثاني : أن تكون أم فيه منقطعة ، فتقدّر ببل والهمزة ، التقدير : بل أتقولون ، فأضرب عن الجملة السابقة ، وانتقل إلى الاستفهام عن هذه الجملة اللاحقة ، على سبيل الإنكار أيضا ، أي أن نسبة اليهودية والنصرانية لإبراهيم ومن ذكر معه ، ليست بصحيحة ، بشهادة القول الصدق الذي أتى به الصادق من قوله تعالى : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) (١) ، وبشهادة التوراة والإنجيل على أنهم كانوا على التوحيد والحنيفية ، وبشهادة أن اليهودية والنصرانية لمن اقتفى طريقة عيسى ، وبأن ما يدعونه من ذلك قول بلا برهان ، فهو باطل. وأما قراءة الياء ، فالظاهر أن أم فيها منقطعة. وحكى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، عن بعض النحاة : أنها ليست بمنقطعة ، لأنك إذا قلت : أتقوم أم يقوم عمرو؟ فالمعنى : أيكون هذا أم هذا؟ وقال ابن عطية : هذا المثال يعني : أتقوم أم يقوم عمرو؟ غير جيد ، لأن القائل فيه واحد ، والمخاطب واحد ، والقول في الآية من اثنين ، والمخاطب اثنان غير أن ، وإنما يتجه معادلة أم للألف على الحكم المعنوي ، كان معنى قل أتحاجوننا ، أيحاجون يا محمد ، أم يقولون؟ انتهى. ومعنى بقوله : لأن القائل فيه واحد ، يعني في المثال الذي هو : أيقوم أم يقوم عمرو؟ فالناطق بهاتين
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٦٧.